اليوم الحادي والثلاثين من مايو يوم مشهود بالنسبة لأم الاذاعات العربية «إذاعات» جمهورية مصر العربية بكافة ألوانها وأطيافها، حيث تحتفل مصر والإعلام المصري اليوم بمرور 76 عاما على تأسيس الإذاعة المصرية التي بدأت ببرنامجها العام، ومن ثم جاء التعدد، حيث ظلت تعطي وتتميز إلى العام 1965 حيث انبثقت منها إذاعات عدة وهي إذاعة القاهرة (البرنامج العام)، إذاعة (صوت العرب)، إذاعة (الشرق الأوسط)، إذاعة ركن السودان المسماة اليوم إذاعة (وادي النيل)، وإذاعة الشعب (القاهرة الكبرى). ومن أعلام الإذاعة في مصر وفي المملكة وتحديدا إذاعة جدة؛ الكاتب والإذاعي الكبير فتحي عبد الله الذي كان وما زال أحد رواد العمل الإذاعي في مصر والمملكة. جمعنا به هذا اللقاء في هذه المناسبة في القاهرة لنتحدث معا عنه وعن تجاربه الإعلامية الطويلة وعلى وجه الخصوص في إذاعتي مصر والمملكة. فتحي عبد الله عمل بداية تحت إدارة أسماء كبيرة في عمله في الصحافة المكتوبة، منهم عميد الأدب العربي طه حسين، وعن هذا يتحدث ضيفنا مواصلا: نعم، كانت بدايتي عام 1960 في إذاعة الشرق الأوسط وصحيفة الجمهورية في نفس الوقت تقريبا، حيث التحقت محررا في الصحيفة وأواصل كتاباتي للإذاعة، ومن أجمل ما أحمل في ذاكرتي أن تلك الفترة وهو مكان فخر بالنسبة لي أن تلك الفترة كانت «الجمهورية» بستة رؤساء تحرير وأي رؤساء ؛ طه حسين، كامل الشناوي، موسى صبري، شاعر الأغنية إسماعيل الحبروك، إبراهيم نوار، وناصر الدين النشاشيبي. وأمعن في الإيضاح لم يكن أحدهم رئيسا للتحرير والآخرون نوابا له بل جميعهم رؤساء تحرير، إلى أن جاء العام 1965 تفرغت للإذاعة. وعن أولى خطواته بعد التفرغ يقول: كانت بداية قوية وموفقة حيث قدمت إنتاجا ضخما، منه سلسلة (عزيزي) ومنها (عزيزي الصائم) و(عزيزي المستمع) وهما من إخراج إيهاب الأزهري، ثم قدمت (من وراء القضبان) إخراج أمين فكري ويتناول بشكل اجتماعي مشكلة السجناء وأسرهم وامتد نجاحه إلى أن جئت إلى المملكة لأعمل في إذاعة جدة، حيث قدمته في إذاعة جدة بعنوان (طريق التوبة) من إخراج أحمد الأحمدي، ولكن قبل هذا دعني أقول إن من البرامج التي أفخر بإعدادها كان البرنامج المنوع (إذاعة ترانزستور) من إخراج هدى العجيمي، وهو عبارة عن إذاعة كاملة كل مادة وتخصص فيه يقدم في دقيقتين لا أكثر. وعن مشواره مع إذاعة جدة وعمله فيها يقول: جئت للعمل في إذاعة جدة في العام 1975 واستمررت لنحو 20 عاما حتى 1995، حيث قمت بإعداد الكثير من البرامج للإذاعة على مدى 20 عاما كنت خلالها قد التقيت وعملت مع كثير من الرواد في العمل الإعلامي والوسط الأدبي والثقافي، مثل؛ مطلق الذيابي، حسين العسكري، الإعلامي والسفير عمر كردي (رحمه الله)، عبد الله راجح، وسليمان عبيد، هؤلاء من الرواد الذين عملت معهم إلى جانب أنه كان لي تلامذتي في الإذاعة بعد أن فتحت الباب للمراسلين الإذاعيين في دورة الإعداد الإذاعي التي قمت بها تحت مظلة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون لكوني مستشارا ثقافيا فيها، حيث استطعنا تأهيل الكثير من الأسماء الموهوبة والعاملة في حقل الإذاعة، منهم طلال الراشد. بعد تركه العمل في إذاعة جدة، عمل فتحي عبد الله في شبكة art لمدة ثلاث سنوات متنقلا بين جدة وروما والقاهرة حتى ترك العمل في الشبكة في العام 2007. وعن أشهر برامجه التي أعدها في إذاعة جدة وأهمها، يقول: كان برنامج (المستمع يضع النهاية) وهو من أول البرامج التفاعلية العربية في الإذاعات، حيث نشرك المستمع في تخيل نهاية حدث درامي نقدمه في البرنامج، وكان من إخراج الراحل محمد طاهر، وبرنامج (رحلة إلى أرض اليمن)، وفي التلفزيون السعودي كنت قد ساهمت في الكثير من البرامج، لعل من أبرزها (شريط الفنون) وهو من البرامج المنوعة، وبرنامج (ساعة زمن) مع الزميل أمين قطان، وبرنامج (فزورة رمضان للأطفال) مع الزميل هاني السعدي. وعن ما تحمله ذاكرته عن تجربته السعودية قبل عودته إلى مصر مجددا، قال: كانت إذاعة جدة ورشة عمل جبارة حيث ترى الكل مشغولا بأفكاره وإنتاجه الإذاعي «تخيل نفسك وأنت تعمل مع خلية نحل فيها مطلق الذيابي، حسين العسكري، سعيد الهندي، صالح جلال، عمر كدرس، وبكر باخيضر، وغيرهم». سألته في الختام: هل وجدت تلامذتك في الإذاعة المصرية كما كنت تريد؟، فقال: لا ليس لي تلامذة هنا فأنا تركت مصر منذ 1965 وجاءت أجيال وذهبت أجيال ولكن تظل تجربة الريادة هي ما يجمعني مع الأجيال الجديدة والزمالة مع جيل الرواد، فنحن مثلا اليوم نجتمع مع الموسيقار حلمي أمين (توفي أخيرا في جدة)، وهو واحد من أهم من قدم الموسيقى التصويرية للتلفزيون والسينما والمسامع الموسيقية للإذاعة، كما نسيت أن أقول لك إن من الأسماء الشابة التي تعاملت معها قبل عودتي لمصر وبعد العودة كانت ابنته مذيعة art هبة حلمي وابنته الدكتورة أمنية حلمي. ومن أبرز محطات الإذاعي فتحي عبد الله في مشواره الطويل في مختلف وكل الإذاعات المصرية كانت حلقات (عيلة مرزوق) في البرنامج العام والتي بلغت نحو 1000 حلقة، والتمثيلية الصباحية (من كل مكان حكاية) من إخراج مجدي سليمان، و(عيلة تيتا) من إخراج أحمد حجازي، وهو من المخرجين المصريين الكبار الذين عملوا في إذاعة جدة فيما بعد (رحمه الله)، والمسلسل من بطولة محمد نوح وجمالات زايد، ومسلسل (بشندي المقلبنجي) من بطولة حسن مصطفى وإخراج يوسف حجازي وإبراهيم الكردي، كما كتب مسلسل (ممثل واحد فقط) شارك في بطولته أكبر وأكثر نجوم مصر، مثل؛ أمينة رزق، سناء جميل، وعبد المنعم إبراهيم، ويتمحور في تقديم وتجسيد بطل الحلقة أدوار خمس شخصيات في وقت واحد، وكان هذا العمل من إخراج يوسف خطاب. ومن الخطوات المميزة في مشوار فتحي عبد الله عمله المشترك مع الرائد الكبير الراحل سيد بدير الذي قام بإخراج عدة حلقات كتبها فتحي من برنامج (مايعجبنيش) عن السلبيات في المجتمع، وهو برنامج شارك في كتابته كثيرون، كذلك برنامج المسابقات (46 120) الذي تدور كل حلقة فيه حول لغز بوليسي، ثم ما إن جاء العام 1961 وعندما تولت الإذاعية الكبيرة آمال فهمي إدارة إذاعة (الشرق الأوسط) وعلي فهمي مدير البرامج فيها حتى طلباه لإعداد برامج قصيرة ومميزة يقدمانها معا (سامية وعلي)، وكان من أشهر المحطات برنامجه (ابحث عن الكنز) الذي قدمته الفنانة شويكار باسمها الأصلي شويكار طوب صقال.