منذ أن اقترح أعضاء مجلس الشورى منح العاطلين عن العمل إعانات مادية بأغلبية (105) أعضاء.. مقابل (23 عضوا) عارضوه، على أن تقوم لجنة الموارد البشرية في المجلس بدراسة الاقتراح، ومن ثم تقديم دراسة شاملة يتم عرضها على المجلس للتصويت مجددا. منذ ذلك الاقتراح، ومقالات كتاب الصحف تعلق على الاقتراح تأييدا لهذه المعونة في محاولة للتوصل إلى حل لمشكلة البطالة التي أقضت مضجع الشباب إناثا وذكرانا. إن البطالة في بلادنا أخذت في الآونة الأخيرة تتصاعد بتصاعد أعداد الوافدين.. لدرجة قدرت معها نسبة العاملين من غير السعوديين (80 %). ذلك أن (ستة ملايين إلى سبعة ملايين من العمالة الوافدة) أصبحت تشغل وظائف في القطاعين العام والخاص، وأن نصف هؤلاء يعملون.. كما ذكر الدكتور صالح بكر الطيار (المدينة 23/2/1431ه ص13) في مهن لايقوم بها السعودي، والنصف الآخر يعمل في مهن يجب أن تكون في الأساس مخصصة للكادر السعودي. أما البطالة بين الخريجات والخريجين السعوديين، فحدث ولاحرج .. إذ بلغت نسبة العاطلين من خريجي المعاهد والكليات (44.2 %) وبلغت نسبة العاطلات من خريجات المعاهد والكليات (78.5 %). لذلك لم يكن من غير المألوف أن تكتظ البيوت والشوارع من العاطلين والعاطلات. ولايزال (الحبل على الجرار.. عمالة وافدة في ازدياد.. يتبعها بطالة أيضا في ازدياد. أين تكمن المشكلة؟ إن أعدادا كبيرة من العمالة الوافدة لا تجد في بلادها عملا، ولكنها تجده في بلادنا.. حيث تفتح لها الصدور.. فأجورها منخفضة، أما السعوديون فتقفل الصدور دونها.. فأجورها عالية (ذكورا وإناثا). لذلك يفضل كثير من أصحاب العمل تشغيل الوافدين تاركين السعوديين وراء ظهورهم والذين لايكفيهم ذلك القدر من الأجور المنخفضة التي لاتوفر لهم وأسرهم الحياة الكريمة التي تمنعهم من مد أيديهم بطريقة غير مشروعة. فهل راتب (2000) ريال أو (1300) ريال تتساءل الكاتبة الأستاذة حليمة مظفر (الوطن، 5/6/1431ه ص35) لمعلمة في مدرسة خاصة (مثلا) أو موظفة بمستشفى يكفي لتوفير قوتها ومن تعيل من أسرتها؟!). إذن.. كم أفسح تدني أجور العمالة الوافدة المجال لهؤلاء لمنافسة السعوديين في مختلف الميادين.. في البقالات.. في المتاجر.. في أسواق الخضار.. إلخ. ماذا ينتظر من البطالة؟ إذا عمت البطالة.. عم الفقر، وإذا عم الفقر.. لجأ الفقراء إلى الضمان الاجتماعي، ومن لم يحصل شيئا من الضمان، انبرى يبحث عن المال من أي مصدر، والمصادر المنحرفة أسهلها. وهنا يختل توازن المجتمع ويتزعزع استقراره وأمنه. هل الأمانة هي الحل؟ نعم.. الإعانة حل مؤقت.. فقد بات من أوجب الواجب صرف إعانة بطالة شهرية تصرف لمن يحتاج إلى عمل فلا يجده. ذلك أن الإعانة لمن لا دخل لهم أمان لحياتهم ولمجتمعهم.. تتوطن الثقة في أنفسهم بأنهم أهل للتقدير من ولاة الأمر. والمعونة وسيلة لحفظ الأسر من التفكك والانحراف. كيف نضمن عدم الاتكال على الإعانة؟ لقد خشي أعضاء مجلس الشورى ممن عارضوا فكرة الإعانة أن يركن الشاب أو الشابة على الإعانة فيكتفي بها وينصرف عن البحث عن عمل طالما أصبح الدخل مضمونا دون تعب أو نصب. كلا.. فخير ضمان لنجاح فكرة الإعانة ما قرره المجلس من إسناد وضع ضوابط ومعايير تضمن تطبيق المشروع إلى لجنة تقوم بدراسته دراسة شاملة. من شأن هذه الضوابط أن يتم التأكد من أن الشاب أو الشابة جاد في طلب العمل، وأن عليه أن يثبت أنه قد قدم إلى مكتب العمل والعمال ذلك الطلب وأنه راجع المكتب في ذلك مرات عديدة ومع ذلك لم يحصل على أي عمل، وأن من يثبت تراخيه أو تكاسله عن البحث عن عمل ترفع عنه الإعانة على الفور حتى يثبت العكس. على أنه لكي يكون للإعانة جدواها.. وبالتالي يحق للعاطل أو العاطلة أن يحل محل الوافد أو الوافدة، أن يصدر قرار من الدولة بالتوسع في فتح معاهد أو كليات للتدريب.. بحيث يفسح المجال واسعا لمن يبحث عن عمل أن يكتسب خبرة بالعمل سواء أثناء دراسة الطالب في المرحلة الثانوية، أو في المرحلة الجامعية. كما يمكن من جهة أخرى أن يضاف إلى تلك المعاهد كما ذكر الأستاذ عبدالله أبو السمح إنشاء معاهد عالية للتدريب العملي على مستوى كليات تطبيقية توفر فيها معامل تحليلية وكمبيوتر وميكانيكا.. إلخ (عكاظ، 8/6/1431ه الصفحة الأخيرة). هل هذه المقترحات تحد من البطالة؟ كلا.. فلا مناص للحد من البطالة عن أن توضع استراتيجية يقوم أولها على الحد من تدفق سيل الاستقدام للعمالة الوافدة، وثانيها حماية المواطنين من مزاحمة العمالة الحالية بتفعيل مشروع السعودة بكل عزم وحزم، وثالثها خضوع العاطلين والعاطلات لدورات تدريبية إلزامية، ورابعها إسهام الدولة في صرف جزء من الأجر الشهري لمن يعمل في القطاع الخاص. فلو كان هذا القطاع يصرف للعامل السعودي أجرة قدرها (2000) ريال تتكفل الدولة بصرف (2000) ريال أخرى ليصبح مجموع أجرة العامل (4000) ريال مثلا. بهذا تكون الدولة قد انتشلت المواطنين والمواطنات العاطلين عن العمل من التعرض لأي انحراف يلجئهم إلى تعاطي المخدرات أو السرقة، أو الاعتداء على ممتلكات الغير، أو اصطيادهم من قبل المتطرفين وإغرائهم بالاشتراك في أعمالهم التخريبية. فهل يروق أعضاء مجلس الشورى إدراج هذه المقترحات ومثيلاتها مما دبجته أقلام كتابنا في الصحف المحلية إلى ما لديهم من دراسة ظاهرة البطالة بضوابطها العملية الدقيقة؟.. فالبدار البدار يامجلس الشورى، فالعاطلون والعاطلات كم يتوقون إلى الإعانة المادية ليصبحوا عناصر نافعين في المجتمع وأعضاء فاعلين فيه.