حين كنا نذهب معا لتغطية إحدى الأنشطة الثقافية، كان عبده يشرع في كتابة تلك التغطية، وحين يمسه الضجر يدفع إلي بالقلم والأوراق قائلا: «عليك إكمال ما بدأت»، فافعل بمسرة. وكان يحدث العكس أيضا، وحين ندفع بتلك التغطية للنشر نكتفي بكتابة اسم أحدنا عليها، إذ كنا نرى أن من غير اللائق كتابة اسمينا على تغطية لأمسية أو ندوة أو محاضرة مهما كانت مساحة تلك التغطية. إنها روح الإيثار التي كانت تسود علاقتنا بوصفنا رفيقي درب واحد، وحلم مشترك، ولم تكن تحمل أعماقنا غير الورد والبياض. وحين كنا في الجامعة كان عبده يستثمر أوقات فراغه في الذهاب إلى مكتبتها، كان ينفق ساعات طويلة واقفا عند آلة «النسخ» مثابرا على استنساخ قصائد، وقصص وفصول من روايات عربية وعالمية، وحوارات طويلة مع كبار الكتاب في العالم. كان يعثر على تلك الكنوز التي كنا نراها نادرة في مجتمعنا غير المنحاز للثقافة في عدد من المجلات الثقافية المتميزة، وكان يبادر إلى جلب نسختين من كل مادة، إحداهما لي والأخرى له، وكنت أفاجأ به يقول لي مبتسما وبطيبة نادرة «آن لك أن تأخذ حصتك من هذه الكنوز يا صاحبي»، فأسر كثيرا بهذه الهبات الثمينة. حين يضحك عبده فإنه من كل قلبه، تاركا ضحكاته تنتشر كالعطر في الآفاق، وإما مسه حزن فإنه يغرق في صمت داكن، وسكون غامق، كما لو أنه نسي في تلك اللحظات القاتمة فمه في مكان بعيد. وإذا ما استأسد عليه الحزن، وعادة ما كان يستأسد فإنه يلجأ إلى إطلاق سيل من النكات الحادة، والدعابات المرة، ساخرا من نفسه وظروفه ومحيطة والعالم، لكنه في المجمل كان شغوفا بالدعابة والطرافة والمرح، رغم أن عناوين قصصه ورواياته سوداوية تشاؤمية على وتيرة «ليس هناك ما يبهج»، و«الموت يمر من هنا»، و«لا أحد في القلب.. لا أحد في الطرقات». عبد المحسن يوسف (المشرف على العدد الأسبوعي في «عكاظ» سابقا)