فيما يلي نص كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة ورئيس مؤسسة الفكر العربي في منتدى الاقتصاد العربي في بيروت أمس: «أشكر لكم كريم دعوتكم إلى منتداكم الموقر الذي يواصل نجاحه عاماً بعد عام، وتحية إلى لبنان بلد الحضارة والمنارة الثقافية العربية التي طالما احتضنت مبادرات العرب، وهي المحضن لمؤسسة الفكر العربي مؤسسة آنية عربية مستقلة تهدف في الأساس إلى تنمية الاعتزاز بثوابت الأمة والانفتاح على العصر بمعارفه وتحديث الإبداع. لعله من حسن الطالع أن يتزامن منتداكم الآن مع احتفال هذه المؤسسة بمرور عشر سنوات على نشأتها، حيث انطلقت فكرتها من بيروت في مايو (آيار) من العام 2000 وضمن هذا الاحتفال تنعقد ورش عمل لقراءة مسيرة المؤسسة خلال السنوات العشر الماضية ومبادرة جوانب السلب والإيجاب لاستنباط جوانب المستقبل على ضوء الأداء لما يحقق أهداف المؤسسة. ومن المطالعة السريعة لبرنامج مؤتمركم يتضح أننا في مؤسسة الفكر العربي نتقاسم معكم التطلعات ذاتها ونفكر في القضايا نفسها فنحن جميعاً على امتداد وطننا العربي مهمومون بتداعيات الأزمة المالية العالمية وملامح الاقتصاديات العربية على إثرها وما علينا كعرب أن نفعله على صعيد المبادرات التحديثية الحكومية وأنظمة إدارة الاقتصاد بمشاركة القطاع الخاص، وما يتعلق بالنفس وهذه القضايا العامة أتيح لنا أن نناقش بعضها في المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي وهي جديرة بمواصلة الاهتمام بها ومتابعة الجديد على ساحتها لمواجهة تداعياتها، كما أن قضية الإصلاح المالي العالمي المتواجدة على أجندة مؤتمركم تحظى بقدر كبير من الأهمية لا سيما وأن العالم العربي قد أصبح في قلب القضية بدخول المملكة العربية السعودية كما تعلمون عضواً في مجموعة العشرين العالمية والمنوط بها بحث قضايا النظام المالي العالمي والتي عقدت اجتماعاً في الشهر الماضي لبحث قضايا التنمية وإصلاح المؤسسات المالية الدولية وشبكات الأمان العالمية؛ ولأننا أمة زاخرة بالفرص والإمكانات والطاقات، فإن المرحلة الدقيقة التي نمر بها توجب علينا التفكير المعمق لتدبير فرص الاستقرار ومواجهة التحديات والمخاطر في كل التطورات والتغيرات التي تلوج بها منطقة دول والعالم بأسره ولا شك أن مناقشة هذا الموضوع في مؤتمركم الموقر سوف يسفر عن أطروحات جيدة إن شاء الله. لقد قامت مؤسسة الفكر العربي بمبادرة تضامنية بين الفكر والمال للمساهمة بالنهوض في الأمة العربية فتداعى أخوة وأخوات من معظم الدول العربية للانضمام إليها ودعمها لمسؤوليتهم الاجتماعية تجاه قضايا أمتنا. ولأن مؤسسة تعالج الفكر بمعناه الشامل فإن الاقتصاد موضوع منتداكم يمثل ركيزة أساسية لدائرة اهتمام مؤسسة الفكر العربي وبند في فعالياتها، كما أن غالبية الأخوة الأمناء يتمتعون بالفكر الاقتصادي علماً وتطبيقاً وهذا مشترك أساس بين غايات المنتدى والمؤسسة. فالمؤسسة تنطلق من ثوابت ثلاثة: أولاً حث الجهود وتكامل الأدوار للنهوض بالعمل الثقافي والتنموي بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع الأهلي وتشجيع كل مبادرة تجسر الفجوة بين هذه الأدوار الثلاثة، فإن هدف مؤسستنا إقامة الشراكات التي كانت آخرها شركاء من أجل الكتاب العربي في بيروت أكتوبر الماضي ورصد جائزة سنوية قيمتها 100 ألف دولار لأهم كتاب عربي. كما انطلقت من أهداف آليات المؤسسة الدعوة لعقد قمة عربية ثقافية تبنتها الجامعة العربية وتضمنتها قرارات القمة العربية الأخيرة ويجري الآن التحضير لأعمال هذه القمة بمشاركة مؤسسة الفكر العربي والمنظمة العربية للتنمية والعلوم والثقافة تحت مظلة الجامعة العربية. يأتي ذلك كله في إطار اهتمامنا بصناعة مستقبل أفضل للأمة العربية بشكل عام وللشباب على وجه الخصوص الذين أصبحوا جزءاً من تشكيل المؤسسة في هيئتها الاستشارية التي تضم نخبة من المفكرين والمثقفين العرب وفي مجلس إدارتها. الثانية الصلة الوثيقة بين الثقافة والتنمية، فالأولى هي التي توفر للثانية بنيتها الأساسية ومحفزاتها ومناخ الانتاج؛ ولهذا كان حرص المؤسسة على إصدار التقرير العربي السنوي للتنمية الثقافية يغطي بالوصف والتحليل واقع التنمية الثقافية. كما تبنت المؤسسة مشروعاً للتنمية تحت مسمى «حضارة واحدة» لترجمة المؤلفات الأجنبية الرصينة التي تنقل لنا التجارب التنموية الناجحة في العالم شرقاً وغرباً، من واقع انفتاحنا على كل ثقافات العالم. ثالثا التعليم قضية مهمة في أي مشروع نهضوي عربي، لهذا أطلقت المؤسسة منذ نشأتها منتدى سنويا للتعليم تقوم الآن بتطويره ليكون منصة لإطلاق العديد من المشروعات التعليمية التربوية في العالم العربي. وفي الإطار ذاته أطلقت المؤسسة مبادرة لنشر التعليم الرسمي في البلدان العربية الأكثر احتياجاً على امتداد وطننا العربي. إن أي عمل ثقافي وفكري يقاس نجاحه بالجدوى وتقاس جدواه بمدى ما يحققه للناس من نفع وفائدة في مجتمع عربي تظل فيه المعرفة هي التحدي الأكبر والهدف المنشود، ولا شك أنكم بمؤتمركم هذا تسهمون في صناعة مجتمع المعرفة القادر على تجاوز الشكليات واللحاق بآفاق العصر إن شاء الله».