أصبح من المؤكد أننا نعيش زمنا يتصف ب «التصريف». كل جهة تصرف المشكلة في مسارب جهة أخرى وتصرف معها المواطن الحيران الذي لا يدري إلى أين يولي وجهه. أي شيء يمكن لأي جهة تصريفه في أي اتجاه لكي يتفرق دم الحقيقة ويتلاشى، لكن السماء وحدها لا تستطيع أي جهة أن تصرف ما ينزل منها، ماء السماء وحده هو الذي لا يمكن تصريفه. إذا كانت جدة تعرضت سابقا لاهتزازات متتابعة في مؤسساتها المحلية، وأمانتها تحديدا مما جعل المسؤولين المتتابعين يتقاذفون مسؤولية الكوارث بينهم فإن مدينة الرياض مستقرة إداريا منذ فترة طويلة. وإذا كانت جدة محاطة بجغرافيا وبيئة قد تسهل ظهور المشاكل فإن الرياض في وضع بيئي أفضل كثيرا. وإذا كانت مطالبات جدة تحتاج وقتا لتصل إلى الوزارات فإن الرياض هي مقر الوزارات وكل أجهزة الدولة. وبالتالي كيف يمكن استيعاب ما حدث في الرياض الأسبوع الماضي، وكيف يمكن استيعاب المعلومات التي ذكرها أمين مدينة الرياض بأن شبكة تصريف الأمطار والسيول لا تتعدى تغطيتها 30% وأن وزارة المالية لم تعتمد سوى نسبة ضئيلة من المبالغ اللازمة لاكتمال الشبكة. أثناء احتدام الجدل عن مسؤولية كارثة سيول جدة ردت وزارة المالية على الاتهامات الموجهة لها بأن أمانة الرياض استطاعت بالمبالغ التي تقارب ما حصلت عليه أمانة جدة أن تنجز الكثير من مشاريع التصريف، وها هي سيول الرياض تدفع أمانتها لتوضيح الحقيقة، فما الذي يحدث بالضبط؟؟ وأين هي الحقيقة؟؟.. إذا كانت خزينة الدولة عامرة ولله الحمد، فما الذي يؤخر ويعطل المشاريع؟؟ وإذا كانت وزارة المالية مسؤولة بالفعل عن تأخير تنفيذ المشاريع فما هي مصلحتها في ذلك؟؟. لابد من توضيح هذه الإشكالية التي تحير العقول، ولابد من إنهاء «تصريف المواطن» بدلا من تصريف مياه الأمطار والسيول.. أجيبوا يا من تملكون الأجوبة. [email protected]