خلال 6 أشهر كشفت لنا الأمطار خللاً وفساداً إدارياً يتغلغل داخل جهاز وزارة الشؤون البلدية والقروية، كان غائبة عنا كمواطنين، كنا كالأطفال نصفق ونرقص ونشكر اهتمام المسؤولين بالمواطنين، نفرح لافتتاح حلقة خضار جديدة، نقل سوق المواشي المجاور لبيوت الناس، نطير من الفرحة حينما نسمع ان طائرات رش البعوض حلقت اليوم فوق منازلنا، كنا ندعو للمسؤولين بالتوفيق حينما يعلنون أنهم سيرممون المقابر المتهالكة. إلا ان الصدمة التي أيقظتنا هي أن كل هذه الأعمال كانت على ورق، فطائرة الرش كانت تحلق من دون مبيدات، ونقل حلقة المواشي كان لغرض بيع المخطط، وحلقة الخضار هي فرص عمل للمقيمين. أما الفاجعة الكبيرة التي أصابتنا بالصدمة وهي ان شبكات تصريف مياه الأمطار في البلاد لا تغطي إلا 30 في المئة من مساحة مدننا، هذا الكلام ليس من عندي، أحدث الأخبار جاءتنا هذه المرة من الرياض وعلى لسان أمينها الأمين الدكتور عبدالعزيز العياف، الذي قال حرفياً عقب الأمطار التي هطلت على مدينة الرياض: «هناك رداءة في التعامل مع السيول، مشيراً إلى أن مدينة الرياض لم تكن جاهزة لكميات الأمطار الكبيرة، ذلك لأن الكثير من الأحياء الموجودة في مدينة الرياض أو مناطق الرياض غير مكتملة بشبكات صرف السيول ولا تتجاوز نسبة 30 في المئة. وأن 70 في المئة لم تغط بشبكات التصريف وما حدث في شمال وشرق الرياض أن السيول اجتمعت في بعض الأحياء من الخارج ولم تتمكن شبكات تصريف السيول من استيعابها وهذا ما حصل في الأنفاق التي امتلأت بالمياه». وحتى لا نلوم أمين مدينة الرياض أو المسؤولين الذين تعاقبوا عليها، فهذا الكلام سمعناه قبل أربعة أشهر من أمين مدينة جدة المهندس عادل فقيه حينما غرقت جدة ومات أهلها نتيجة الأمطار، وقتها سمعنا هذا الكلام وان شبكات تصريف مياه الأمطار فتحاتها صغيرة ولم تستوعب هذه الكميات من المطر، الآن دعوني أسألكم إذا كانت مدينة مثل الرياض كل يوم يتبرع رجال الأعمال فيها بمشاريع تنموية واجتماعية، وهي عاصمة العواصم العربية ودرتها، فما هي الحال بالنسبة للمدن والمناطق الأخرى هل نستطيع القول إنها تغطي 20 أو 10 في المئة من مساحتها، وهل يتشجع مسؤول ويقول لنا ان مدينته تغطي 70 في المئة من شبكات تصريف مياه الأمطار، بالله عليكم هل يمكن ان يخبرني رئيس بلدية نجران هل توجد لديه شبكة لتصريف مياه الأمطار، أو حتى للصرف الصحي. حسناً على ماذا كانت تتباهى أمانات المدن في العقود الماضية وما هي انجازاتها التي يمكن ان نقول عنها إنها مشاريع لفتت الانتباه، الشيء الوحيد الذي نفهمه من هذه السلبيات، هو ان تجار بيع الأراضي والمخططات نجحوا بشكل لافت في بيع مخططاتهم وكسبوا المبالغ الضخمة الكبيرة، أمام مسمع ومرأى كبار المسؤولين، ليس مهماً ان تصل خدمات المرافق العامة إلى هذه المخططات، المهم تسويق الأراضي والامتداد العمراني، فشكلت هزة واضحة في الخدمات، فالناس الذين سكنوا هذه المخططات فرحوا بمنازلهم، ها هم يدفعون الثمن، الهاتف لا يأتي إلا بالواسطة الماء لا يأتي إلا بالواسطة، لو كنت مديراً أو مسؤولاً حكومياً تستطيع ان تفتح مدرسة بجوار منزلك، تأخرت خدمات الكهرباء عن المخططات، المدارس، تسبب هذا التصرف وهذا الاستعجال من الأمانات في التوسع العمراني العشوائي إلى انتشار وتفشي ظاهرة الوساطات والتسول لوصول الخدمات، هذا التمدد العمراني العشوائي أسهم في ارتفاع مواد البناء والاسمنت، وخلاف سابك مع مصانع الحديد السعودية، واختفائها من السوق، التمدد العمراني العشوائي أسهم بشكل مباشر في ارتفاع كلفة المعيشة وتوجيه جزء كبير منها في نفقات إضافية، كان الخاسر الأكبر فيها هو المواطن، والرابح الأكبر فيها تجار الأراضي والمخططات. ألستم معي ان الأمانات والبلديات لدينا اهتمت بالشكليات، اهتمت بالمجسمات أكثر من توزيع أراض لذوي الدخل المحدود، اعتمدت مخططات لشركات ومساهمات عقارية أكثر من ان تعتمد أراضي لجهات خدمية، شيء واحد نستطيع ان نفهمه ان أمانات المدن كانت تسير عكس تيار خطط التنمية من تحديد النطاق العمراني وصرف مبالغ الموازنة في توسعات غير مجدية، مشاريع تصريف مياه الأمطار كلفت مدينة الرياض 12 بليون ريال، لو ان المدينة كانت ملمومة على نفسها، هل كانت ستحتاج إلى هذا المبلغ الكبير والضخم.إذا أردنا ان نبقي على ما تبقى من أموال الدولة، وإذا أردنا ان ننفقها في أوجهها الصحيحة، يجب ان تعمل كل مرافق الدولة وفق منظومة مدروسة ومخططة، يجب ان نوقف المساهمات والمخططات العقارية، يجب ان نوقف المد العمراني العشوائي، هوامير العقار يجب معاقبتهم لأنهم وراء اضطراب الخدمات، معالجة الخلل الموجود في الأحياء والمناطق التي فيها كثافة سكانية بإيصال الخدمات وتحسينها. إذا كانت كمية من الأمطار كشفت لنا عيوب إدارات حكومية، فكيف نصدق ان بقية الخدمات لجهات حكومية أخرى تؤدي عملها بنجاح، كيف لنا ان نعرف ان الصحة تغطي خدماتها 100 في المئة، وكذا الحال لمدارس البنين والبنات، والشرطة والدفاع المدني والهلال الأحمر، الكهرباء، الهاتف، يا الله طابور طويل... ترى كم في المئة تغطي هذه الإدارات من حاجات المواطنين. كم نحتاج من وقت لنعلم الحقيقة. وكم نحتاج من وقت لتصحيحها. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]