أطلق صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز أمير منطقة تبوك في حضور وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة أمس، ملتقى تبوك الثقافي الثاني (تحديات الخطاب الثقافي العربي)، الذي دعا له أدبي تبوك في مركز الأمير فهد بن سلطان الاجتماعي. وأبرز الأمير فهد لدى استقباله ضيوف الملتقى في مكتبه في الإمارة الدور الذي تنهض به المثقفة السعودية في الملتقى وفي الحياة العامة، وقال: «المرأة السعودية أدرى بخصائص مجتمعنا من الرجل». وحدد أمير تبوك نقاط الضعف في ثقافتنا، قائلا: «إنها تتمثل في عدم التركيز»، مؤكدا على أهمية أن يكون الباحث منتميا للمجتمع الذي يجعله موقع دراسته. وفي حفل افتتاح الملتقى ظهر أمس، رحب أمير منطقة تبوك بالمشاركين وقال في كلمته: «أرحب بكم مثقفين وأدباء وشعراء وكتابا، ويسرني الالتقاء بكم بين أهلكم في تبوك. تبوك بكل حضورها التاريخي لحضارات تعاقبت إلى أن شرفها الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) فزاد حضورها تألقا وشموخا، وصولا إلى واقعها اليوم الذي وضعت لبناته الأولى وكفلت نماءه وازدهاره أسوة بكل الوطن الحضارة السعودية المعاصرة بنهجها وإنجازاتها المتواصلة». وأضاف: «اسمحوا لي بعد أن تناول الإخوة والأخوات المتحدثون في هذا اللقاء جوانب عديدة أثرت محاور لقائكم هذا الذي يناقش تحديات الخطاب الثقافي العربي، أن يأخذ حديثي منحى آخر يلامس المواطن ابن المجتمع، الذي هو بالتأكيد نتاج حراك ثقافي يحاصره أينما اتجه، خاصة وأننا نعيش في ثنايا فضاء مفتوح، وتدفق رهيب للمعلومات والأفكار والطروحات المختلفة. إن مجرد التقائكم وتواصلكم هو فعل حضاري مشرف، ولا ينبغي أن نتوجس أو نرتاب من إفرازات هذا التواصل أو الحوار الإنساني، فالتواصل سلوك حضاري به تتمكن الأمة من معرفة موقعها الحاضر واستشراف مستقبلها الآتي. والمتابع المنصف لقيادة بلادنا يرصد التشجيع المستمر من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني (حفظهم الله) على تكريس مفهوم الحوار والالتقاء، انطلاقا من إدراك ولاة الأمر للمسؤولية المناطة على طلبة العلم والمفكرين والمثقفين ووسائل الإعلام والتعليم، خاصة وأن الإنتاج الإنساني والإبداع في شتى المجالات هو محصلة لمجتمع ناضج وواع، أفراده شخصيات متزنة قوية تعي ما يحاك لها من أفكار ضالة. ولن يكون لنا ذلك إلا بالوسطية التي تتصادم مع الإفراط وتنأى عن التفريط، وذلك أن من أكبر التحديات التي تواجه مسيرتنا هي الغلو والتطرف، وأنتم أولى الناس وأقدرهم على القيام بهذه المسؤولية، ومسؤولية الأمانة لعلمكم وتعاملكم الدائم مع الكلمة». واستطرد الأمير فهد بن سلطان قائلا: «إننا في هذا الوطن المضياف دائما بحاجة ماسة اليوم لأن يظل الإنسان السعودي متسلحا بالعلم والتعليم والمعرفة، ممتلئا بالتفاؤل والأمل المشرق، أن يظل الإنسان الذي يتباهى بإنجازه ويفتخر بوطنه ومجتمعه، كما أننا جميعا مدعوون لأن ننظر للجانب المضيء من بعضنا البعض، وأن نكون بين الأمم أصحاب المنهج الوسطي المعتدل القائم على الإرشاد وفن التعامل وحسن التحاور، بعيدا عن العنف تفكيرا وتنظيما ورسالة وخطابا». وخلص أمير تبوك إلى القول: «أرجو أن تكون تبوك الإنسان والمكان خير معين لكم، وأتمنى لكم طيب الإقامة وطيب النقاش وأطيب النتائج التي تسهم في تجسيد التكامل الفعلي والحقيقي في مسيرتنا ونهضتنا التنموية الوطنية». من جهة أخرى، لفت وزير الثقافة والإعلام في كلمته في حفل الافتتاح، إلى أن الفكر العربي المعاصر ظل أسيرا للأسئلة التي طرحتها النهضة الثقافية قبل ما يزيد على القرن، وهي الأسئلة التي تتصل بالعلاقة بالآخر. وقال خوجة إن كل ما يعتقد أنها أسئلة جديدة في الحوارات الثقافية إنما هي تطبيعات من الأسئلة الأولى التي شغلت الخطاب العربي. وأهاب وزير الثقافة بالمثقفين المشاركين في الملتقى أن يصلوا إلى أسئلة جوهرية، وأن تشكل أطروحاتهم وحواراتهم إضافة إلى الثقافة العربية. وأضاف وزير الثقافة: «ليس من سعادة تفوق التقائي بإخوة لي أخذوا على أنفسهم معاناة الكلمة وبناء الثقافة، وليس من عاطفة تماثل فرحي بزيارة منطقة من مناطق بلادنا، وها أنذا في مدينة تبوك؛ هذه المدينة العظيمة التي عاشت أحداثا جليلة في تاريخ أمتنا والتي شهدت مسيرة مواكب الفتح تحمل نور الله إلى الإنسانية العطشى إلى الحرية والعدل والمساواة، وها إنني اليوم أقرأ في وجوه أبناء تبوك سير أولئك الكبار الذين ملأوا الكون حبا وسلاما ورحمة، وقبسوا منهم مشعل النهوض، فغدت تبوكالمدينة والمنطقة منارة تقدم واحتلت من قلب أميرها المحبوب سويداءه فآتت أكلها، وبدت تلك الجميلة الحسناء نهضة وعمرانا وتعليما وثقافة، فشكرا لأميرها المثقف أن رعى الثقافة في تبوك وآزرها ونهض بها تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني. وأكد خوجة أن المتأمل للحراك الثقافي في بلادنا في السنوات الأخيرة يلمح فيه قوة ونماء، ويلمس فيه تفاعلا وجدلا، حتى ليمكن القول إن خطابنا الثقافي بات من أشد الخطابات الثقافية العربية حيوية وازدهارا، وآذن ذلك بأن الحركة الثقافية في بلادنا بلغت في هذه الآونة فتوتها وشبابها. وزاد خوجة قائلا: الثقافة نظام تفاعلي بالغ التعقيد يحتاج في نموه ونهوضه إلى عقود طويلة من الزمان حتى يعطي ثماره، وثقافتنا في المملكة العربية السعودية عبر ما يزيد على 80 عاما كانت تخوض صراعا مريرا من أجل ان تبلغ شأنا ومكانة في الخطاب الثقافي العربي، ولقد حققت من ذلك شيئا مما تريده ونجحت حينا وأخفقت حينا ولكنها ناضلت وجاهدت من أجل تسنمها مكانة محترمة على الخريطة الثقافية العربية، وها هي ذي الآن تبلغ فيها مكانا سامقا. وقال: وعلى مدار ما يزيد على قرن من الزمان يستطيع المثقف العربي أن يرصد ندوات كثيرة وكتبا عديدة وأبحاثا ومقالات وأطروحات جامعية كلها يدور على الثقافة، نلمح فيها هذه العناوين (مشكلة الثقافة) و (قضية الثقافة) و (الخطاب الثقافي) و(تحديات الثقافة). واختتم خوجة كلمته بالتأكيد على أن أكبر تحد يواجه ثقافتنا هو أن نجعل هذه الثقافة ميدانا فسيحا للاختلاف والتنوع، وألا يصادر أحد منا رأيا لمن اختلف معه، وأن نتوخى من ورائها نهضة بلادنا وعزها ومجدها، وأن نعرف أنه لا سبيل للتقدم خارج معنى الثقافة. وشهد الحفل كلمة لرئيس النادي الأدبي في منطقة تبوك الدكتور مسعد بن عيد العطوي، وقصيدة للشاعر مسلم العطوي، كما ألقى كلمة المشاركين في الملتقى والضيوف الدكتور أحمد الضبيب. وكان وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبد العزيز بن محيي الدين خوجة قد زار أمس المركز الإعلامي للملتقى، جامعة الأمير فهد بن سلطان، النادي الأدبي، وكالة الأنباء السعودية، وحرص الوزير على زيارة المصابين في المستشفى العسكري ممن أصيبوا في المواجهات على الحدود الجنوبية.