توجد أغنية قديمة اسمها «أمس العصر مريت من تحت واحد بيت»، ومن قبل هذه الأغنية يحزنك الفنان حيدر فكري، وهو يشدو شوقا وعتابا ولوما أيضا عندما يصف حياته وقد صارت مشاوير إلى البريد في انتظار رسالة قد تأتي من محبوبته وقد لا تأتي، وهناك أغنية «ساعي البريد»، وأرجو ألا أكون مخطئا في وصف ما ذكرت، ولكن واقع البريد صار أكثر انتماء إلى حاويات نحاسية صغيرة. تذكرت تلك الأغاني التي هي في بعض نواحيها نتاج علاقة المواطن السعودي بالبريد. الآن ضمرت هذه العلاقة، فلم يعد البريد لا ناقل «وصل»، ولا يمكنك من خلاله الحصول على منافع. إنه موجود ومنتشر على بوابات العمائر بصناديق أكثرها خربة، فاذهب وعاينها بنفسك يا من تقف معها وإليها، وقطعا لست ضد من يقف، لأنني أكتب كما أعبر دهليزا بعض الشيء، فيما تتناثر على ضفتيه صناديق بريد يمنة ويسارا. للوهلة الأولى بدا لي أن عدد الصناديق حوالي أربعين صندوقا، وقد وضعوا الصندوق إلى جانب آخر، وهي أكثر عددا من شقق العمارة، وربما كانت أكثر عددا من السكان أنفسهم، وفي الوقت نفسه أحسست أن الصناديق صدئة، وتمتلئ غبارا، وهكذا قلت لنفسي قطعا فالعناكب في طريقها للسكنى بالأدوار العليا من الصناديق لكي تحمي نفسها من العبث العشوائي لمن اعتادوا على إتلاف أي شيء بقصد التخريب السريع! من الواضح أن مشاريع البريد السعودي طالت واستطالت، ولكنها بهذه أو تلك، وكما نرى ويرى الآخرون تدخل في جدولة إهدار المال العام. هذه هي الحقيقة بأقل عدد من الكلمات، فكيف بنا إذا جئنا إلى الأحياء العشوائية ودخاشيش الطرقات والأزقة الضيقة التي لا يمكنك من خلالها تمرير دراجة نارية من الحجم الصغير، قطعا هناك من يدفع بالتي هي أغلى ولكن إذا كان القصد من وراء هذه الصناديق ممارسة الاتصال والوصال فهي قطعا بالرؤية والقياس علنا لا يجدر بها تقديم خدمات على هكذا نحو، فالصناديق لا يفاد منها وصلا ولا اتصالا.. ونحمد الله أن خيارات البريد متعددة.. وإلا لو اعتمدنا على هذه الصناديق فهي بحاجة إلى تأمين حماية ضد عبث العابرين ربما تكلف الحماية أضعاف ما وصلت إليها أسعار النفقات. إنها حكاية مثيرة بما لا تشتمل عليه الإثارة، فلا تحزن يا من تحب البريد. كم كنت أتمنى أن تطير الصناديق كيما لا نسمع جعجعة، وعندها لن يجرؤ مواطن أن يسأل: أين الطحين!.