في مطالعتي لمجلة الروائي الإلكترونية، التي يصدرها الروائي العراقي سعد هادي، من مهجر بعيد، وبإمكانيات محدودة، ودأب مستمر، وتجديد شبه يومي، لاحظت وجود عشرات الأسماء العراقية في مجال الرواية والقصة، لم أكن أعرفها من قبل، ومعظمها أسماء جديدة بدأت تبدع في ظل الظروف الأخيرة التي يمر بها العراق. وفي الفصول المقتطعة من روايات هؤلاء المبدعين الجدد، تجد الهم العراقي واضحا، وكثيفا، وفيها روايات تسجيلية لما يحدث كل يوم هناك، إضافة إلى مصطلحات جديدة ومناخات مختلفة لم تكن لتتوفر في الأدب العربي لولا الحرب وما بعد الحرب التي لم تنته حقيقة ولكن تحولت إلى سعر يومي. نحن إذن أمام تجربة كتابية عربية جديدة، أمام جيل جديد بمواصفات أخرى وأقلام أخرى، وأدب مختلف كلية، يبدو انقطاعه التام عن الأدب القديم الذي كتبه الرواد ومن أتى بعدهم من المحدثين. هنا ما يحكم النص ليس العلاقة بين المواطن والمحتل، ونظرة المواطن للآخر فقط، كما يطالعنا الأدب الفلسطيني الحديث في شتى مراحله، من شعر وقصة ورواية، وحتى رسم ونحت ورسوم كاريكاتورية، العلاقة هنا بين الكاتب ودمه الخاص، الكاتب ورعبه أن يعيش وسط الدم،ويموت يوما، أو يهاجر إلى ملاذ آمن ويموت عشرات المرات. ولعل تجربة شاكر نوري في عدد من الروايات مثل المنطقة الخضراء، وكلاب جلجامش، وتجربة علي بدر في حارس التبغ، يمكن أن تفتحا نافذة لإلقاء نظرة على الداخل الإبداعي في العراق، شاكر نوري وغيره من الأسماء الجديدة مثل عواد علي، يكتبون اليومي والمعاش وما يمكن أن يكون ولا يكون، وعلي بدر في حارس التبغ، يتناول قضية الهويات، ويربطها بما يحدث في العراق، وينجح إلى حد ما، برغم بعض التعسف والقصدية، والصناعة الواضحة في الرواية، إلى إلقاء ضوء على الصراع القائم بين العراقي والعراقي، أي العراقي ودمه الخاص. في ظل الكم الهائل من الكتابات الروائية التي تصدر يوميا، والكتاب في معظمهم غير جديرين بكتابة الرواية، لا يتقنون فنونها، وإنما انساقوا وراء موضة كتابتها، والبريق الذي يتوهمونه بانتشارها، يمكن أن تضيع هذه التجربة المهمة، ودائما ما تصنع الأحداث الجسيمة إبداعا متميزا، ولنا مراجع كثيرة يمكن الرجوع إليها في هذا الشأن، مثل الثورات الشعبية، وانتشار الأوبئة، والمقاومات، هذه صنعت أدبا كبيرا لدى شعوب شتى.