يدرك عبد الله المعاز القحطاني أن غرقه في الموروث الشعبي وجلوسه بالساعات داخل بيوت الشعر والطين مستمعا لحكايات الرواة بما تحمله من قصص تقطر بالحكمة والقيم، هو تحفيز للذاكرة وبلسم يداوي جراح عزلة التقاعد، ووسيلة جذب اجتماعية للجيران والأصدقاء، تمكن من خلالها من تحويل منزله إلى ملتقى شعبي يحوي الشعراء والرواة وأهل التجربة والفكر من جيل الرواد. وبجهود ذاتية، حول المعاز منزله إلى متحف مصغر يضم المئات من القطع الأثرية والتراثية بعضها اشتراه من أسواق الخردة، والأخرى جمعها عن طريق الأصدقاء، وبنى منزلا شعبيا يضم بئرا بطراز تقليدي، وبيت شعر لاستقبال زواره وحفظ أدواته التراثية التي يزهو بها أمام الزوار والمترددين. تقاعد القحطاني في العام 1428ه من وظيفته في محافظة الجموم في إمارة منطقة مكةالمكرمة بعد 32 عاما من الخدمة، ولكنه لم يخلد للعزلة ولم يركن للانزواء، وشرع في زيارة كبار السن من الشعراء والرواة لتسجيل إنتاجهم، استشعارا منه بأهمية الحراك الشعبي وحفظه للأجيال، فتراه يحمل مسجله الصغير ويجوب القرى والهجر يبحث وينقب عن المنعزلين من الشعراء، ونجح أخيرا في تسجيل عدة حوارات لمحمد الجبرتي، سعيد بن سلطان الحسيني، مستور العصيمي، خلف الحساني، صالح بن رويجح المطرفي، وبطيحان المعبدي. هذه الهواية ليست وليدة اللحظة، ولكنه ظل غارقا في جمع التراث منذ أكثر من 50 عاما، واستطاع خلال هذه الفترة جمع قديم أواني الطبخ والأسلحة القديمة والعملات وأدوات الزراعة والحرث والملابس، خلافا لحفظه للموروث الشعبي من قصائد نظم ومحاورات وحدايا ومجالسيات ومجارير، يستأنس بها زوار منزله العامر. وتمكن خلال هذه الفترة من طباعة عدد من المؤلفات منها ديوان «المعاز بين نجد والحجاز» وقام بإعداد وتقديم برامج إذاعية لصالح إذاعة البرنامج الثاني في جدة لمدة خمسة أعوام مقبلة، فيما تبقى إحلامه البسيطة تتمحور حول الخاتمة الطيبة ومساعدته في طباعة مخطوطاته الشعبية الجاهزة.