عمليات البيع والشراء، والتعامل مع نوعيات مختلفة من الزبائن، فن قائم بذاته، فليس كل من باع واشترى يتقن هذا الفن، والذي يحتاج إلى ممارسة مستمرة مع كثير من الصبر والأمانة وسعة البال. هنا مجموعة من الشباب الذين اقتحموا مختلف مجالات التجارة، وأغلبهم نجحوا بالتدرج من بائع إلى مسؤول، تسويق وخدمات عملاء إلى مديرين في الشركات التي التحقوا بالعمل فيها. ومع اكتساب الخبرة والتنقل من مكان لآخر، أصبحوا يعتمدون على أنفسهم، واستطاعوا أن يحققوا طموحاتهم. دفع العربات يروي حسين محمد البردي (مسؤول خدمات عملاء في أحد المطاعم في جدة): كانت بدايتي متواضعة جدا، فما إن تخرجت في الثانوية العامة، حتى عملت كحارس أمن في إحدى الشركات الخاصة، ولكنني لم استمر طويلا، حيث كانت ساعات الدوام كثيرة والمردود بسيطا، فأشار علي أحد أقاربي بأن اشتري عربة لدفع كبار السن في الحرم المكي، وبالتحديد بين الصفا والمروة، فاستحسنت الفكرة، ولا سيما أن موسم رمضان على الأبواب، عندما بدأت العمل كان عملا متعبا ويمتد ل 12 ساعة يوميا، ولكن العائد كبير يصل في بعض الأحيان ل 1000 ريال، وفي أحيان أخرى إلى أكثر من ذلك. ويضيف: في يوم كنت أتضور جوعا، فدلفت لأقرب مطعم شرق جدة، فكانت المفاجأة التي غيرت مجرى حياتي، وأنا أقف عند «الكاشير» لاستلام طلبي كانت هناك ورقة مكتوب عليها.. (للسعوديين فقط) للعمل في شركة كبرى وبراتب مغر، فلم أتردد في التقديم للوظيفة. كان أملي ضعيف في الحصول عليها، ولكن بعد فترة بسيطة فوجئت باتصال من الشركة بأنهم يريدون مقابلتي، إذ هم في حاجة لبائعين للعمل لديهم في سلسلة المطاعم المنتشرة في جدة ومكة، وتدرجت من بائع في المحل إلى مسؤول «كاشير»، إلى مسؤول خدمات عملاء وراتبي في تحسن مستمر حتى وصل خمسة آلاف ريال، ما سيمكنني مستقبلا من فتح بيت وتكوين أسرة. ملابس نسائية أما جلال أحمد المسروحي (مسؤول معرض)، فيقول: منذ المرحلة المتوسطة، وأبي يصطحبني معه لمحل الملابس النسائية الذي يملكه، خصوصا نهاية الأسبوع والإجازات والعطلات الكبيرة، ما أكسبني الخبرة في فن التعامل مع الزبائن، ومع مرور الأيام أعجبت بالعمل وبالتعامل مع الجمهور، والزبائن يختلفون في طباعهم، فمنهم من يتعامل معك كبائع فقط، ومنهم من يستشيرك حتى في أدق التفاصيل، ومنهم من لا يتحدث إليك أصلا، فيكتفي بأخذ أشيائه والانصراف في صمت. ويضيف المسروحي: أحاول قدر المستطاع بعد أن انفصلت عن والدي الاعتماد على نفسي وعن طريق علاقتي بشخص يعمل في شركة خاصة بالإكسسوارات النسائية، تقدمت لوظيفة بائع، والآن أنا مسؤول عن معرض كامل بجميع محتوياته، ولي زبائن رغم وجود فروع كثيرة للمحل، والتعامل مع كل زبون حسب رغبته. أدب إنجليزي يرى رائد عبدالسلام السالمي (بكالوريوس إنجليزي) أن للبيع أصولا، فما أن يأتي أحد الزبائن، إلا ويكون لنبرة صوت البائع وقعها على نفسيته وكسب ثقته، فيما هو يعتمد على الأمانة والصبر في التعامل مع الزبون، حتى يحس بأنه قريب منه وأنه يتعامل معه كأخ وليس كزبون. وأضاف: إلا أن ساعات الدوام في العمل في مجال التجارة طويلة، وفيما لو وجدت وظيفة في مجال آخر وبراتب محترم، لتركت هذه العمل، ولكن ليس في اليد حيلة، فالكل يطمح لمردود مادي يعينه على مواجهة الحياة. حب العمل من وجهة نظر عبد المنعم أحمد سعيد الذي تدرج في العمل في شركة ساعات في جدة، من بائع لمدير معرض لمساعد المدير في الشركة، أن البيع ليس وظيفة فقط، بل ممارسة عملية تجمع بين الإقناع والذوق في الاختيار، إضافة لطولة البال والصبر واكتساب الخبرة وكسبة ثقة الآخرين. ويضيف: كنت سابقا في سوق الجنوبية في جدة، وكان عملي في مجال المواد البلاستيكية، خاصة الصحون والملاعق والزينة وتغليف الهدايا، ومن هناك اكتسبت الخبرة الكافية، ما أهلني للعمل كبائع ومنه انتقلت للمكان الذي أشغله الآن. في محل كهرباء مهند محمد علي (مسؤول في محل مستحضرات تجميلية) يقول: منذ ثمانية أعوام وأنا أعمل في مجال المبيعات وقبلها في محل كهرباء، كانت بدايتي صعبة قليلا، ولكن مع إصراري قطعت عهدا بيني وبين نفسي على كسر حاجز الفشل. وكان ثاني عمل في محل إلكترونيات ومن خلال عملي السابق في مجال الكهرباء اكتسبت الكثير من الأصدقاء والزبائن، ومن ثم انتقلت للعمل في مؤسسة خاصة لبيع الملابس السبور لثلاثة أعوام، ومن حينها وأنا اكتسب المزيد من الخبرة في كيفية التعامل مع الزبائن وفن الإقناع، فضلا عن الصبر وسعة البال، ولاسيما نحن نتعامل مع جمهور متعدد الجنسيات، ولكل أسلوبه وطريقته في الحديث والشراء.