يرصد الباحث محمد بن إبراهيم الدبيسي تاريخ الصحافة في المدينةالمنورة، منذ العهد العثماني حتى العهد السعودي، مبرزا عبر كتابه الصادر حديثا لدى مركز بحوث ودراسات المدنية المنورة، سمات وظواهر تلك المسيرة، وتحولاتها والتغيرات التي طرأت عليها. يشمل كتاب «الصحافة في المدينةالمنورة.. تاريخها وأثرها في الحركة الأدبية» على متابعة تاريخية ودراسة علمية للفعل الصحافي والإعلامي في المدينةالمنورة، والشخصيات التي ساهمت في كتابة تاريخ الصحافة في المدينةالمنورة، إضافة إلى الشخصيات الأدبية والثقافية التي أثرت الحياة الأدبية والاجتماعية عبر المسرح والمجلات، والدور العلمي والديني والمعرفي لهذه «المدينة» المقدسة المؤثرة في الوجدان العربي والإسلامي. الكتاب قال عنه الدكتور عبد الباسط بدر (مدير عام مركز بحوث ودراسات المدينةالمنورة): إنه رحلة تستقصي ظاهرة متميزة في تاريخ المدينةالمنورة الحديث وواحدة من الريادات المتعددة، التي سبقت إليها هذه المدينة المقدسة «ظاهرة الصحافة». ويخلص بدر للقول: «لقد أكرم هذه المدينة وأهلها بفضائل كثيرة، وأحسب أن ريادة الصحافة واحدة منها، ولقد أحسن مؤلف هذا الكتاب في رصدها وعرضها بمنهجية تجمع بين أمانة الرصد، وحسن التوثيق وعذوبة الأسلوب..». مسار ثقافي يستهل الدبيسي الكتاب بمقدمة يقول فيها: «وقد كان للمدينة المنورة النصيب الأوفى في تكوين مسار ثقافي وأدبي وصحافي وطأت له ورفدته خصوصيتها الدينية والحضارية، ومكوناتها الاجتماعية والثقافية، وهو ما حدا بي إلى محاولة رصد مسيرة الصحافة في المدينةالمنورة تحديدا منذ العهد العثماني حتى العهد السعودي الزاهر، وأبراز سمات وظواهر تلك المسيرة وتحولاتها والتغيرات التي طرأت عليها، ومدى إسهامها في الحركة الأدبية والثقافية وتأثرها وتأثيرها فيها. ويضيف الدبيسي: «وإن لم يكن هذا الكتاب الوحيد في مجاله الموضوعي العام، فإن له خطة الإجرائي الخاص الذي يحاول رصد الحركة الصحافية في المدينةالمنورة منذ بداياتها في العهد العثماني إلى عصرنا الراهن، والتحولات التي مرت بها، وأثرها على الحركة الأدبية، وطبيعة المناخات الاجتماعية والعائلية (الأسرية) التي جعلت من أسر (الداغستاني والخطاب وغوث والأنصاري وحافظ) أسرا أدبية وصحافية بالمعنى المفضي إلى سمة قليلا ما تكررت في مسيرة الصحافة في المملكة العربية السعودية جرى تحريرها وكشفها في هذا الكتاب». المكان المعنى الكتاب يحتوي على «مدخل: المدينةالمنورة.. المكان.. المعنى الصحافة إرهاصات الوجود صحافة الحجاز في العهد العثماني صحافة الحجاز في العهد الهاشمي أثر صحف العهدين العثماني والهاشمي في الحركة الثقافية في الحجاز إضافة إلى رصد وتسلسل لتاريخ صدور الصحف مثل صحيفة «الرقيب»، وصحيفة «المدينةالمنورة» (الأولى) وصحيفة الحجاز، ثم صدور مجلة المنهل المجلة الأدبية السعودية الأولى بعد فترة زمنية وقراءة لدور مجلة «المنهل» في الحركة الأدبية، وصدور العدد الأول منها ودور مؤسسها ورئيس تحريرها عبد القدوس الأنصاري.. ثم دور صحيفة المدينةالمنورة في الحركة الأدبية في المدينةالمنورة.. ودور مؤسسي هذه الصحيفة عثمان وعلي حافظ. يكتب محمد الدبيسي عن أثر «المنهل» في الحركة الأدبية في المملكة قائلا: «نال هذا الموضوع اهتمام الباحثين والدارسين الذين تنبهوا إلى تميز هذا الأثر وتبعاته الإيجابية على مسيرة أدبنا الوطني بناء على المعطيات المتمثلة بعراقة هذه المجلة وتجاوزها السبعين عاما من عمرها المديد، وما حفلت به أعدادها الصادرة خلال هذه الفترة من أبحاث ومقالات ودراسات رموز ادبية ريادية في الإطار المحلي، من أمثال حمد الجاسر، محمد سعيد العامودي، أحمد السباعي، محمد حسين زيدان، عبدالعزيز الربيع، محمد حسن عواد، حسين عرب، عبيد مدني والغزاوي وغيرهم.. ارهاصات وبين المدينةالمنورة الصحيفة و«المنهل» المجلة ثمة إرهاصات لبذور نهضة صحافية وأدبية وثقافية، بدأت مع الحجاز والقبلة.. و«شمس الحقيقة» والفلاح وهي ارهاصات جاءت مع العهدين العثماني والهاشمي. ويلقي الشاعر الرائد محمد حسن عواد تحية على بريد الحجاز: «يا بريد الحجاز إن قلوبا ظامئات ترى الجمود حراما يا بريد الحجاز بل غليلا قد براها واربابها ان تظاما يا بريد الحجاز أفواه قوم ملجمات فحل منها اللجاما طال عمق السكوت حتى حسبنا أن هذاي الحياة عادت مناما» أما فيما يتعلق بصحيفة المدينة، والأدوار التي أنجزتها، يشير الدبيسي إلى دور شريف أفندي ومحمد سرور صبان، حيث يقول: كان لكل من هذين الرجلين إسهام في المراحل التي مرت بها صحيفة المدينة، بحكم موقعها الشخصي أو الرسمي.. «شريف أفندي» الذي صوب تركيب قطع المطبعة إبان جلبها من مصر كان له دور مهم أكده حسن صيرفي، وكذا عثمان حافظ دور يشي بدور بشعور جماعي بالمسؤولية تجاه هذه الصحيفة، وفقا لما ورد في كتاب قصة صحيفة المدينة لعثمان حافظ، وهو دور يتراءى دائما كلما وقع خلل فني في سير طباعة الصحيفة. الحركة الأدبية وعن أثر صحيفة المدينةالمنورة في الحركة الأدبية في المملكة، يضيء الدبيسي هذه المسألة قائلا: «بالرغم من الدور المباشر الذي لعبته صحيفة المدينةالمنورة في الحراك الأدبي في المدينةالمنورة، فإن دورها في الحركة الثقافية في اطارها الوطني، كان من الأسس التي أكد عليها صاحبها عثمان حافظ في افتتاحية العدد الأول عندما وصفها بأنها «الصحيفة التي نعدها لعامة أبناء المملكة العربية السعودية شيبا وشبانا لا فرق بين المكي والمدني والرياضي والجدي والقصيمي والعسيري، بل إنا نعدها لأوسع من هذا، فهي تقبل كل مقال عربي قيم، وعلى رأي إسلامي سديد القصد منه المنفعة العامة والإصلاح المأمول..». الدبيسي تحدث عن هجرة مجلة المنهل، وصحيفة المدينةالمنورة من موطن ولادتهما الأولى المدينةالمنورة إلى جدة، وهو ما جعل الإصدارات الصحافية تتوقف بمعناها المهني المتداول والمتعارف عليه، ولم ينشأ في المدينةالمنورة أي حركة صحافية بهذا المعنى. وهنا يشير الدبيسي إلى صدور مجلات مثل: «مجلة الجامعة الإسلامية»، «ملف العقيق»، و «الاطام» وغيرها من المجلات والملفات. كتاب «تاريخ الصحافة في المدينةالمنورة» يلقي الضوء على البدايات المؤسسة لتاريخ الصحافة في بلادنا.. وهو كتاب جدير بالقراءة بصفته كتابا يشكل مرجعا في هذا المجال.