«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن معا. في مساحة الضوء البصيص، وتحت جنح «من فيض»، ألقت الكاتبة الصحافية والروائية نبيلة محجوب بحمم كلماتها، تجاه من وصفها بسب شعائر الدين وبأنها علمانية تمنهج الدين وفق معتقداتها ورؤاها، حاملة سلاح الكلمة، معترفة بأنها عجزت عن الجرأة التي امتازت بها أعمال روائيات هذا العصر. • من تكون نبيلة محجوب؟ امرأة مكية هاشمية، تخلقت في مجتمع يمارس الحياة بحرفية عالية، لكن فطرية. • ما النزعة التي اشتهرت عنك في طفولتك؟ النزعة العقلية بمعنى أني لم أكن طفلة شقية، وعندما بدأت أدرك المعاني وتنبهت إلى هذه الصفة العقلية التي تتناقض مع تلقائية وشقاوة الطفولة، اغتظت جدا وبدأت أمارس الشقاوة في المدرسة، وجبنت عن ممارستها في البيت. • من ساهم في إبراز موهبتك؟ جمهرة الكتب، وقواميس اللغة، والفلسفة وعلم النفس، والكتاب العظام الذين تعلقت بهم، أولهم نزار قباني، وكان يمكن أن أكون شاعرة لو تبدل الزمان والمكان! ربما لذلك اتجهت إلى قراءات فكرية: للدكتور زكي نجيب محمود، ومصطفى أمين، ومالك بن نبي، وطه حسين، ومطبوعات دار الهلال المصرية التي كانت تصلنا عن طريق الاشتراك السنوي. • حديقة حياتك ما هي؟ أبنائي: وديع، دينا، رشا، ضحى. وأحفادي: محمد وديع، وغازي ونبيلة مشعل السعد. • ما هو الحلم الذي ظل يراودك منذ الصغر؟ الأحلام كانت كثيرة، ربما لأنها كانت مستحيلة، الحلم الأول الذي قمعت من أجله هو عمل المضيفة، لكن الزمن أخطأني!. والحلم الحقيقي الذي سيلازمني هو عملي في الإعلام. • في أي الصحف بدأت طريق الحرف؟ صحيفة الندوة، عندما كنت في الصف الأول الثانوي، بعد تلك التجربة المثيرة بالنسبة لفتاة مكية بسنوات طويلة جدا، كتبت قليلا في مجلة اقرأ، وبعدها المدينة التي أدين لها بالفضل!. • ما سر اختبائك تحت ظل «وجهة نظر»؟ ليس اختباء بل سفورا، لأنها تكشف عن وجهة نظري في الحياة والقضايا والعلاقات والفساد، فكل ما أطرحه وجهة نظر شخصية، لأن الحقائق نسبية!. • كونك كاتبة صحافية.. هل تحوي مؤهلاتك تخصصا في علم التملق أو فن التزلف؟ لا أشعر بأن لدي ولا ذرة منهما، لكن الحكم للقارئ، هو الذي يرى أوضح مني!. • ما سلاحك تجاه من وصفك بالعلمانية؟ لا أحمل غير سلاح الكلمة، لكني حزينة لأن بيننا من يشكك في مصداقية الكاتب، لأنه خالفه في الرأي ووجهة النظر!. • وبماذا تردين على من اتهمك بسب شعائر الدين؟ تعجبت ممن يصفون أنفسهم بالإسلاميين ليخرجوا من عداهم من تحت مظلة الإسلام، وكأن الدين حكر لهم، ومع هذا يستخدمون أساليب لا تتفق مع سلوك المسلم الحق، ومنها الكذب، لأن من ادعى ذلك عجز عن الاستشهاد بالمقالة التي تثبت ادعاءه!. • ما صحة ما نسب إليك، بأن الوضوء هدر للماء، وإقفال المحال التجارية وقت الصلاة مضيعة للوقت؟ مع أني لم أتناول هذه القضية في مقالاتي، إلا أني عبر صحيفتكم أقول بأن إقفال المحال التجارية كل أوقات الصلوات بحاجة إلى إعادة نظر، ومياه الوضوء المهدرة بحاجة إلى الاستفادة منها عن طريق مشاريع التدوير، وكان الأولى أن يتولاها الأئمة وخطباء المساجد!. • وصف مقالك «السيدة عائشة وزواج الصغيرات»، بأنه يمثل كبوة لكاتبة اعتادت على حسن اختيارها لما تكتب.. بماذا تردين؟ لأن الموضوع ضد رغباتهم، فالحقيقة عندما تكشف خداع النفس والهوى تؤلم، وحقيقة عمر السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ثمانية عشر عاما، تكشف حجم المآسي والجرائم التي ارتكبت في حق النساء وتزويجهن في عمر الطفولة، وهو ما زال حقا يمارسه كثير من الآباء ويقبل عليه – للأسف – كثيرون!. • ما الذي دعاك للاستناد في ما طرحت في المقال السابق على باحث صحافي، والتشكيك في ما أجمع عليه علماء الأمة «صحيح البخاري ومسلم»؟. لأنه البحث الوحيد الذي يكشف خطأ تاريخيا تسبب في الإساءة إلى هذا الدين العظيم، ولم أخالف إجماع العلماء، بل وجهت حديثي إليهم لدراسة البحث وتوضيح ما جاء فيه، لكني لم أتلق ردا ولم ينظر أحد إليه مع ظهور بوادر تغيير في الخطاب الديني المتعلق بهذه القضية، والبحث منشور على الانترنت لمن لديه الرغبة الحقيقية في إحقاق الحق!. • بماذا تصفين مقال نادين البدير الذي طالبت فيه بتعدد الرجال؟ مقال فانتازي واستفزازي لغيرة أولئك الذين لا يعبؤون بمشاعر المرأة ولا بمشاعر صغارهم، فيعددون بدون قيد ولا شرط، إلا شرط أهوائهم وشهواتهم. • وما صحة انضمامك إلى نادي تعدد الرجال الذي دعت إليه البدير؟ لماذا نحيل الحبة إلى قبة، فلم يحدث هذا ولم تدع نادين إلى تعدد الأزواج، لأنه ضد تعاليم الإسلام، ولأن طبيعة المرأة مختلفة، فهي عاطفية وتدخل العلاقة الزوجية لإشباع هذه العاطفة، وإشباع غريزة الأمومة عكس الرجل.. وأنت أكمل العبارة!. • ظلت شؤون ما وراء الطبيعة مؤرقة للفلاسفة.. ألم يؤرقك شؤون ما وراء الخط الأحمر؟. كثيرا، فالخطوط الحمراء الوهمية تعيق الإبداع، تقف أكثر من مرة تشطب هذه الكلمة خوفا من بترها دون رحمة، وتظل تتقافز وتتلون كالمهرج، أعتقد أن ما وراء الخطوط الحمراء شيء من خوف أو وهم لدى بعض المسؤولين عن الصحف أو صفحات الرأي فيمعنون في الشطب، لأنها تجاوزت الخطوط الحمراء. • ما الذي حرمتك منه الخطوط الحمراء؟ حرمتني وحرمتك وحرمة الأجيال المتعاقبة من دراسة الفلسفة التي تفتح مغاليق العقل، وأمعنا في تحويل كل أبناء الوطن إلى شيوخ وحفظة!. • الإعلام الغربي ينساق للفضائح.. لماذا؟. هذه هي روعة الحرية، الكشف عن الفساد بضوابط، والحفاظ على حقوق جميع الأطراف بالقانون، قل لي: هل تعرف ما هو قانون الصحافة هنا، وما هي حقوقك، وما هي حقوق الآخر؟!. • ما جديدك على صعيد العمل الروائي؟ يقولون من يعمل كل شيء لا يعمل شيئا، لأني أمارس الآن كتابة الدراما، والمشروع الروائي مؤجل!. • بماذا تصفين الأعمال الروائية لروائيات الزمن الحاضر؟ أغبطهن على الجرأة التي عجزت عنها. • ما الذي دفع الكثير منهن إلى الكتابة الرخيصة؟ من يحكم على كتابتهن بالرخص؟ هل هو التيار المتشدد، أم النقاد، أم الجمهور؟!. الحركة النقدية لدينا ضعيفة، وإقبال القراء على العمل، دليل نجاح لا رخص!. • موقف تاريخي لا يزال يهتف في عقلك؟. موقف المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز في حرب أكتوبر، ولقائه مع كيسنجر، واستخدام الطاقة كسلاح أمضى من كل الأسلحة الحربية.. موقف بطولي ورجولي قومي وطني. • متى سكت لسانك ولم ينطق؟. أمام السفيه والمدعي والسفسطائي، لكنه لم يسكت عن قول كلمة الحق في أي موقف، وفي أي مكان وزمان!. • ما هو الموقف الذي تذرفين فيه الدمع؟. كل المواقف الإنسانية، من ذلك مثلا: كلمات الأمير متعب بن عبد الله التي وجهها في حفل المتقاعدين، وسؤال الملك عبد الله لماذا يتقاعدون؟! بكيت من إنسانية الملك وابنه وهذا الحنان الأبوي الطاغي، دموعي قريبة جدا، فأنا «عيشة البكاية منذ الطفولة»، هكذا كانوا يطلقون علي!. • لكل مفكر فلسفته الخاصة.. ما هي فلسفتك؟. هي الفلسفة التي تربيت عليها وأعطتني القوة في حياتي كلها «الرب واحد والرزق واحد والعمر واحد». * كلمات بالحبر الفصيح إلى: د. غازي القصيبي: قامة أدبية نفخر بها، شاعر متألق، وروائي مبدع، وإداري منظر ربما!. أمجاد رضا: صديقة عزيزة وصحافية مجتهدة وصبورة ورائدة نسائية في العمل الصحافي، بالإضافة إلى نشاطها الثقافي. انتصار العقيل: صديقة عزيزة أيضا، تمتلك جرأة أدبية ربما ظلمتها، فهي لا تعاني من ازدواجية مثل الأخريات، اللاتي يمارسن الكتابة في مجتمع أدمن الازدواجية!. نادين البدير: مأزقها البحث عن الحرية، وهو ما يتنافى مع رؤية المجتمع الذي لا يستوعب معنى الحرية بالنسبة للمرأة إلا بمنظار ضيق جدا!. احترمها كثيرا لأنها استطاعت أن تمكن نفسها وتبرز إعلاميا بطموحها الشخصي، وهذا يحسب لها. نبيلة حسني محجوب • من مواليد مكةالمكرمة. • درست تخصص الاجتماع انتساب في جامعة الملك عبد العزيز في جدة. • كاتبة في صحيفة المدينة منذ سنوات، من خلال زاوية أسبوعية في صفحة الرأي، تحت عنوان: «وجهة نظر»، ولها ما يزيد على 500 مقال. • كتبت في عدة مجلات: اقرأ، المجلة العربية، الصحة، البر، مجلة حياتي. • تولت الإعداد لمشروع مجلة خيرية، وأشرفت على تحريرها.