بقي الحديث عن الاتجاه الرابع من اتجاهات النقد في المجال الإسلامي حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك حسب التقسيم الذي وضع لهذه الاتجاهات، بعد النظر والفحص في النقد الصادر من المجال الإسلامي، وسوف نطلق على هذا الاتجاه الرابع تسمية ملاحظات في النقد المقارن، لأنه يتناول نقد الإعلان العالمي في بعض مواده على أساس المقارنة مع التشريعات الإسلامية، والإعلانات الإسلامية. ومن الذين اعتنوا بهذا الاتجاه من النقد الشيخ محمد علي التسخيري في كتابه (حقوق الإنسان بين الإعلانين الإسلامي والعالمي)، وذلك في إطار المقارنة النقدية بين إعلان حقوق الإنسان في الإسلام الذي وضعته منظمة المؤتمر الإسلامي، وبين الإعلان العالمي. والجدير بالذكر أن الشيخ محمد علي التسخيري شارك في العديد من الاجتماعات التي ناقشت الإعلان الإسلامي ممثلا لدولته إيران، وترأس أحد هذه الاجتماعات التي عقدت في طهران سنة 1989م، وهو الاجتماع الذي ناقش الصيغة النهائية للإعلان الإسلامي، ومن ثم تمت الموافقة عليه في مؤتمر القاهرة لوزراء خارجية الدول الأعضاء سنة 1990م. في هذه المقارنة أشار الشيخ التسخيري إلى العديد من الملاحظات النقدية التفصيلية، سوف نأخذ منها الملاحظات التالية: 1 في الإعلان الإسلامي هناك تركيز على حرمة الجنازة الإنسانية، ولزوم عدم انتهاكها، وحرمة تشريحها العشوائي إلا أن يكون هناك مجوز شرعي، وهذا ما يفتقده الإعلان العالمي. 2 في الإعلان الإسلامي تطرح المادة الثالثة مسألة أخلاق النزاع والحرب التي جاء الإسلام بأروع مثلها، فالحياة مصونة إلى أقصى حد ممكن، وحرمة الكرامة الإنسانية محفوظة حتى بعد الموت، فالتمثيل حرام حتى بالكلب العقور، والأسر له أحكامه الأخلاقية المؤطرة بالرحمة، والزرع والمنشآت المدنية مصونة. هذه المادة لا نجد لها أثرا في الإعلان العالمي مما يشكل أكبر نقص فيه، وقد حاول العالم تدارك هذا النقص في اتفاقيات جنيف التالية. 3 يختلف الإعلان الإسلامي عن نظيره العالمي في التأكيد على حقوق الأبوين وحقوق الأقارب. 4 ما يمتاز به الإعلان الإسلامي مسألة نفي الاستعمار بشتى أنواعه، وتحريمه تحريما مؤكدا، ومنح الشعوب حق العمل للتحرر وتقرير المصير، وإيجاب الدعم لها على كل الشعوب الأخرى، والتأكيد على الشخصية المستقلة لجميع الشعوب. في حين لا يذكر الإعلان العالمي هذه المسألة، الأمر الذي يكشف عن نقطة ضعف كبيرة في أهداف واضعيه. 5 من الأمور التي امتاز بها الإعلان الإسلامي رفضه إخضاع أي فرد للتجارب الطبية أو العلمية إلا بشرطين الرضا وعدم الخطر. إلى جانب ملاحظات أخرى أوصلها الشيخ التسخيري إلى ثمانية وعشرين نقطة. هذه لعلها أبرز اتجاهات النقد عند المسلمين المعاصرين في نظرتهم إلى الإعلان العالمي. بقيت الإشارة إلى ملاحظة ظلت موضع تأكيد عند العديد من المسلمين، وهي حاجة الإعلان العالمي للانفتاح على الشريعة الإسلامية والتزود من قيمها وأخلاقياتها ومبادئها وتشريعاتها الغنية والثرية في مجال حقوق الإنسان، وفي هذا النطاق جاءت الندوة التي عقدتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي في نوفمبر 1998م، تحت عنوان: (إغناء الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بالمبادئ الإسلامية). مع كل ذلك يبقى أن هذا الإعلان مثل محطة مهمة من محطات تطور فكرة حقوق الإنسان، ولعلها المحطة الأبرز في العصر الحديث، وما زال هذا الإعلان له أهميته وقيمته، وله فاعليته وتأثيره، وسيظل كذلك مع الإقرار بنواقصه وعيوبه، والحاجة لتطويره وتحديثه ليكون معبرا بحق عن الضمير الإنساني في العالم وليس في الغرب فحسب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 115 مسافة ثم الرسالة