الموضوع التجاري يشكل نقطة المحور لأي عمل إعلامي، والصحافة تحتاج باستمرار إلى مراجعة أولوياتها لضمان تدفق الأرباح أو إيجاد مصادر دخل جديدة، وإلا فليس أمامها إلا التوقف وإعلان الوفاة، ويكون هذا بأن تعمل الجريدة أو المحطة على تقديم أخبار خاصة أو توفير خدمات لا يجدها المتابع في وسيلة إعلامية أخرى، وبما يحقق عوائد مالية معقولة، والوظيفة الاجتماعية للإعلام وخدمة الصالح العام والعدالة، موجودة بالتأكيد في العمل الصحافي، إلا أن افتراض النزاهة فيها أو انها تقدم «لوجه الله» فيه نوع من «السذاجة» و «الغباء»، وربما كان الفصل بين الحسابات الاقتصادية والتحرير قائما في الماضي، ولكنه مفقود حاليا إلا في الكلمات «الوعظية» للقيادات الصحافية، وفي المؤتمرات والندوات المعلبة. الأخبار اليومية المنشورة في الصحافة تأتي إليها غالبا على طبق من ذهب، وكل ما يثار في وسائل الإعلام وينتشر بسرعة، لا يكون تلقائيا وعفويا في معظمه، وإنما كما يقول برايان ماكنير (2009) لإشغال الرأي العام بقضايا هامشية تبعده عن قضاياه الحقيقية، أو بأقل تقدير، تسخيره لتكريس مصالح من يقفون خلف هذه الأخبار، وبصراحة السياسة لا يهتم بها إلا «العواجيز» والشباب يهتمون أكثر بالحكايات الإنسانية والرياضة والفن والكاريكاتير، والاعتراض على طريقة تفكيرهم لا يقدم ولا يؤخر، والاستثناء وارد فقد قال البروفسور ديفيد مورلي في كتابه: الجمهور الوطني (1983) بإن سن أو مكانة مستقبل الرسالة الإعلامية لا تعنى دائما أنه سيفهم ما يعرض عليه بطريقة سليمة أو خاطئة، والمقصود أن السياسة والرياضة وغيرها تقبل «الشاب» و «الشايب» والفقير وصاحب الثروة. الصحافة في رأيي مشروع تجاري له أهداف اجتماعية تماما كما هو الحال في القروض البنكية، وفي بعض الدول يتقاطع الهدف التجاري مع السياسي، وعن السياسة كتب نيك كولدري وزملاؤه في إصدارهم: الاستهلاك الإعلامي ومشاركة المجتمع (2007) بأن الدولة لا تتحرك إعلاميا إلا في حالة وجود مشاكل داخلية أو خارجية تؤثر عليها، وانها ربما اختلقت الفرص لوضع قضاياها المقلقة في عناوين الأخبار، وفي قوالب جذابة ومغرية للمتابع والوسيلة الإعلامية معا. ما سبق لا يحدث لأن هناك مؤامرة أو تواطؤا مثلما يعتقد الموسوسون، وإنما لأن الإعلام وكنتيجة طبيعية لصعوبات مالية استبدت به خصوصا في هذه الأيام، أصبح يعتمد في أخباره على وكالات الأنباء ومكاتب العلاقات العامة أو ينقل من بعضه، وأشار نيك ديفيز في إصداره: أخبار الأرض المنبسطة (2008) إلى دراسة قام بها فريق في جامعة «كاردف» البريطانية، ذكرت في نتائجها أن 70 في المئة من الأخبار المنشورة في الإعلام البريطاني، مأخوذة في الأساس من مكاتب العلاقات العامة ووكالات الأنباء، وليس غريبا أن يلجأ الصحافيون إلى هذه المصادر بحثا عن التصريحات والتعليقات، لأنهم ببساطة لا يستطيعون نشر الإشاعات أو الأقاويل أو ما يدور بين الناس، دون إحالة للجهة محل الخبر أو المادة أو الأطراف التي يتناولها أو تتناولها، وإلا فما الفرق بين الإعلام المؤسسي المسؤول وبين المدونات والصحافة الإلكترونية غير المرخصة، والأخيرة تنشر الإشاعات وتعول على تصويبات الزوار أو تأكيداتهم، ووكالات الأنباء قد تنوب عن مكاتب العلاقات في نقل وجهة نظر الجهات التي تمثلها الثانية، والتصرف قد يدخل في باب التعمية والالتفاف على المتابع، ومن أمثلة النقل أن تنتظر جريدة يومية صدور الطبعة الأولى لجريدة يومية منافسة، ومن ثم تختار الأخبار الساخنة فيها، وبالذات مواد السبق الصحافي، وتنشرها بعد تحويرها أو عرضها من زاوية مختلفة قليلا وبمباركة قيادات التحرير، وقد لا تكلف نفسها عناء مراجعة حقائق الخبر أو الكلام مع المصادر الموجودة فيه. أيضا وجد كارستن راينمان (2004) في مسح أجراه على الصحافيين السياسيين في ألمانيا، أن 90 في المئة منهم يعتقدون بأن وكالات الأنباء مصدر مهم وحيوي للأخبار، والكلام المذكور خطير، لأنه يفترض استسلام الإعلام للخبر الجاهز والتعامل معه وكأنه «كلام منزل» أو «معصوم» بينما الواجب اختبار الخبر وفحصه والتأكد من تفاصيله، وعدم التسويق لمواقف قد تكون ناقصة أو مشوهة أو لا أساس لها، حتى ولو كانت منسوبة لمصدر يمكن وصفه ب «الموثوق» ومن الأساليب المجربة لكشف الخبر المفبرك أو المفتعل، اختلاف رواياته أو تناقضها أحيانا من محطة إلى محطة أو من جريدة إلى جريدة أو من موقع الكتروني إلى موقع الكتروني آخر وهكذا، ومكاتب العلاقات كما هو معروف، تجتهد باسمها أو من خلال وكالات الأنباء، في إظهار الجهة التي تمثلها بأفضل صورة، والمتوقع من الإعلام في هذه الحالة كشف ما يخفيه مكياج العلاقات، أو ما يحاول تبريره وجعله «مبلوعا» ويكون ذلك بتناول وجهات النظر المختلفة والمستقلة حول المادة المنشورة أو المنقولة، وتمكين أصحاب الأسرار من الكلام بصراحة ووضوح. الجهد الشخصي والأصالة في الطرح عند «بيير بوردو» مسألة حياة أو موت للصحافي المهني، والتشابه بينه وبين زملائه يقتل هويته الخاصة، ولا يسمح له بحجز موقع محترم في عالم الأسماء الصحافية الكبيرة، ويضيف بوردو كذلك، بأن التشابه في أخبار الصحافة ووسائل الإعلام، قد يتم بغرض صياغة رؤية موحدة عنها، ولشحن أكبر عدد من الجماهير نحو ردود أفعال معينة، وكلاهما صحيح. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة