عندما نجد إدارة ما تتهاوى فيجب أن نعلم أن هذا التهاوي والانحدار له أسبابه المنطقية، ولم يكن هذا التهاوي إلا إحدى المراحل المنطقية نتيجة سياسة إدارية متشددة وإقصائية، حفاظا على المصالح الشخصية للإدارة السابقة التي تحارب النجاح والابتكار والمبادرة، تمسكا بالأنظمة الروتينية التي ترى أن الحياد عنها هو خطر يهدد المنظومة ككل، وهنا تبرز أهم سلبيات البيروقراطية في العمل الإداري. نعم الإدارة في هذا النوع تحرص على أن تتدرج المسؤولية في أيدي من ترى أن وجودهم في المستويات الإدارية لا يمثل لهم خطرا، وذلك على حساب الجدارة والكفاءة الإدارية والمؤهل العلمي، حيث تصبح تلك المناصب من نصيب أشخاص قد يكون الفارق بينهم كبيرا بحسب معيار الكفاءة، وهنا تطغى المحسوبية والتقريب لاعتبارات شخصية قد يكون الضعف والانصياع للأوامر هو مؤشر للجودة في التعيين في هذه الحالات، لأن الإدارة توارثت ذلك المنطق الإداري. من هنا، يحكم على الإدارة بعد مضي وقت من الزمن، فنرى أن التسلسل في المستويات الإدارية والأقسام قد طغى عليه الخلل الكبير حتى أصبحت المنظمة تعيش التخبط، فلا تجد هدف محددا، وتتلاشى -إن لم تكن موجودة- روح الفريق الواحد، والتهرب من المسؤولية شعار للجميع يعلقه صاحب الصلاحية في رقاب من ليس لهم حول ولا قوة، وبهذا الفكر يسود الظلم ويصبح جو العمل كئيبا مليئا بالمشاكل، فلا رضا لموظف ولا رضا لعميل. هذه الإدارة ورثت فيها المناصب، فالمدير الحالي يرغب في من يكون أقل منه وأضعف إداريا، إجابته «نعم، حاضر، وكما تشاء». يتقاعد الأول وقبل تقاعده أو نقله تكون التزكية لمن خدم مصالحه وحفظ سره، فتدور الدائرة عندما يتولى ذلك الشخص الإدارة فيضع نائبا له من هو أقل منه، فقد فهم اللعبة، وكما تدين تدان وهكذا السلف للخلف، فيتشكل مخلوق مشوه أعيته كثرة العاهات فينكشف أمره ويهتك سره فيسود الظلم ويستشري، وتنقلب جميع المعادلات رأسا على عقب، وبالتالي تصبح تلك الإدارة مثار تساؤل ومساءلة من المجتمع المحيط ومن المستفيدين من خدماتها، فتكثر الشكاوى والتذمر فالقرار مركزي بيد من لا يستطيع مع مرور الوقت أن يميز بين أبجديات العمل. وهنا يكمن السؤال الأهم: إلى متى يستمر هذا الحال، ومن يستطيع القضاء على تلك الظاهرة؟ والإجابة بكل وضوح وشفافية يلزمها الحس الوطني من خلال الوطنية الحقة، بتشجيع جميع منسوبي جميع الإدارات على عدم السكوت عن أي ظلم أو مظلمة، فالكل يخدم وطنا أعطى الكثير ويأمل منا الكثير، ويجب أن يؤخذ حق المظلوم مهما كان مستواه ومركزه الوظيفي ليبقى الجميع على وعي وإدراك أن العدل ليس له وجهان، ويجب أن يتقلد المناصب من وصلها بجده واجتهاده وبكفاءاته المثبته في شهاداته وابتكاراته وبحوثه وتطويره للعمل، ومساهماته الجماعية مع أفراد إدارته، مع تمتعه بالقدر الكبير من حب الزملاء وتعاونهم معه من باب الرغبة لا الرهبة. حسين حاتم آل هتيلة