جميعكم يتذكر «منصور التيماني» و«فاطمة العزاز» وهما شخصيتا قضية «التطليق لعدم تكافؤ النسب». تلك القضية التي تناولها الإعلام المحلي والغربي والدولي والتي عانى منها الاثنان أيما معاناة لفترة زادت على أربعة أعوام، تعرضت فيها فاطمة للسجن الإجباري فترة ولسجن اختياري فترة أخرى هي وابنها «سليمان» الذي كان رضيعا في بداية فترة سجنها. أما منصور فمعاناته شملت بالإضافة إلى المطاردة والتشريد وهو يحمل بين يديه ابنته «نهى» حرمانه من تجديد بطاقته الشخصية نتيجة عدم قبوله صك الطلاق، الأمر الذي أدى إلى التعميم عليه وحرمانه من تجديد تلك البطاقة، مما أدى إلى حرمانه من ممارسة حياته الطبيعية، حيث لا يستطيع استئجار بيت ولا سيارة ولا يمكن أن يعمل ولا يتعامل مع بنك ولا التعامل مع أية قضية. كل تلك المعاناة دامت منذ صدور الحكم عليه من محكمة الجوف. وكم كان الجميع سعيدا حينما نقضت المحكمة العليا في الرياض حكم محكمة الجوف. وقلنا أخيرا استطاع هذان الزوجان الصمود والإصرار على حقهما الطبيعي، وها هما يستطيعان تحقيقه في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الذي اقتنع بضرورة إعادة النظر في القضية. كلنا أيضا يتذكر البطء السلحفائي لوصول الحكم من الرياض إلى الجوف ثم الدمام والذي طال لفترة تجاوزت ثلاثة أشهر، حتى تمت المقابلة المنتظرة بين فاطمة ومنصور، ولولا المتابعة الصحافية المستمرة لحالتهما لكان الله أعلم كم الوقت الذي سيستغرقه تنفيذ الحكم. كل ذلك معروف للجميع، ولكن التذكير به يرجعنا لتلك المعاناة التي عاناها الاثنان. الجديد في الأمر أن نكتشف الآن أن معاناة منصور بالذات ما زالت مستمرة، وبالتالي معاناة عائلته الصغيرة «زوجته وابنته وابنه»، ذلك أن تجديد البطاقة إياها التي حرم منها الرجل خلال تلك الفترة ما زالت على ما هي عليه حتى هذه اللحظة، وهذا يعني «سأكرر» أنه لا يستطيع استئجار بيت باسمه ولا يستطيع حتى الآن التعامل مع الدوائر الرسمية ولا غير الرسمية ولم يستطع بعد إضافة ابنه إلى السجل العائلي «بطاقة العائلة» ولا يستطيع إلحاق ابنته بالتعليم المبكر منه أو الابتدائي ولا التعامل مع المصارف ولا شراء أو استئجار سيارة، والأهم من كل ذلك أنه لا يستطيع العمل في أي مكان، فمن هو الذي سيوظف شخصا ببطاقة منتهية الصلاحية؟ عمليا ما زال غير قادر ولا مسموح له العيش بكرامة. لقد أدهشني ما جاء في بيان جمعية الدفاع عن حقوق المرأة (تحت التأسيس) الذي أورد النبأ وطالب بإنهاء هذه المعاناة وإيقاف هذه الانتهاكات لحقوق عائلة واضحة للعيان والتي من المفترض أنها حلت عبر صدور حكم واضح وصريح وبمباركة خادم الحرمين الشريفين. وبدل أن تتم العناية بهذه العائلة التي ذاقت الضيم والفراق والتشرد والرعب، وتعويضها عن سنوات المعاناة، وتوفير سبل العيش الكريم لهما كتعويض ما لا يعوض من سنوات عمرهما وعمر ابنيهما، إلا أن الواقع المر ما زال ينهش حرية وكرامة هذه العائلة. من المعروف لدى الجميع، وليس فقط لدى القانونيين والمحامين، أن ما ترتب على باطل فهو باطل بالضرورة. وهذا يعني بشكل بديهي أن أوامر عدم التجديد الناتجة عن تلك القضية قد نقضت هي الأخرى بمجرد نقض حكم محكمة الجوف. وإذا كان العذر أن الأمر المكرر بعدم التجديد له علاقة بزوجته السابقة التي تم «استغلالها» ضد منصور أثناء معاناته، فالرجل طلقها منذ لقائه بفاطمة وصك الطلاق موجود وبالتالي ما عاد ذا صلة أو علاقة بزوجته السابقة. الأمر واضح ولا يحتاج إلى كل هذه المسافات الطويلة ليتم تحرير هذا الرجل من ربقة وتبعات قضية هو فيها المظلوم والمعتدى على حقه. وهو مع ذلك لم يطالب أحدا بحقه منه، كل ما يريده هو حقه الطبيعي في أن يعيش مواطنا كبقية خلق الله. هل يمكن قبول «البيروقراطية» هنا كعذر لتمطيط معاناة هذه العائلة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ وربما أناس يؤمنون «بتكافؤ النسب» كشرط للزواج القبلي ويتناسون أن الرسول زوج الموالي من نساء مكة!. هل هناك من يسعى لإحراج بلادنا أمام العالم وفي المحافل الدولية؟ هل هناك من يريد وضع العصي بل القضبان الحديدية في عجلة الإصلاح؟ أين حقوق الإنسان -هيئة وجمعية- مما يجري؟ كلها أسئلة تحتاج إجابة وإلا فما العذر الذي يجعل من عناء هذه العائلة مستمرا؟. [email protected]