ترى الملبس الأنيق وقوة «المنطوق» وصرامته في الجلوس والوقوف، تعجبك أيما إعجاب، ولكن وما أدراك ما لكن، قوله في وادٍ وفعله في وادٍ آخر. فكثيرون أولئك الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، يظلمون البشر، يأكلون الحقوق، يهتكون الأسرار، ويخوضون مع الأشرار تنمقا وتلبسا وتسترا في ذاك المظهر، باطنهم أشر من ظاهرهم، ولكن الرب يعلم سرهم وعلنهم. تعاملاتهم مع الآخرين فيها صلف وسوقية، فقد تنعكس الأوضاع وتنقلب، فترى مجموعة أخرى من الناس، تتجنب تطبيق شرع الله وأوامره خوفا من أن ينال منها الآخرون ويلمزونها وينهشونها، وهؤلاء يخشون الناس في الله. أين هم من الوصية التي تلجم كل مخالف: إني موصيك بكلمات، اخش الله في الناس، ولا تخش الناس في الله، ولا يخالف قولك فعلك، فإن خير القول ما صدقه الفعل، وأحب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك، أهل بيتك، ولا تخف في الله لومة لائم. والطامة الكبرى أولئك الذين تخالف أقوالهم أفعالهم، وقديما قال الشاعر: لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم تراه يتحدث دائما عن الأمانة وهو أول الخائنين والمضيعين لها، وتراه يتحدث عن الصدق وهو أكثر الناس كذبا، وتراه يتحدث عن المروءة والشهامة وهو أخس وأنذل خلق الله على الأرض، وتراه يتحدث عن عفة النفس وطهارة اليد ونقاء اللسان وهو وضيع، مرتش، هماز مشاء بنميم. وصنف آخر يود لو أمسك بمفاتيح الجنان، وبكنوز الأرض، حتى يأخذ منها ما يشاء، ويجود على أهله والمقربين منها كيفما شاء، دون أن يفكر ولو لحظات في غيره، بل قد يتمادى في ذاتيته، ويغرق في أنانيته، فيمنع سريان الخير إلى الآخرين ظانا أن خزائن الرحمن قد تنفد، وأن عطاياه جل شأنه قد تنضب. وآخرون ماتت الشهامة في أنفسهم، والنخوة في ذواتهم، فتغاضوا عن الوقوف إلى جانب الحق وأصحابه، وفي هذا يستوي الأفراد والجماعات والدول، حيث يخشون الناس، والله تعالى أحق أن يخشوه، حيث بات الصمت على الظلم سنة شائعة، وعدم نصرة المظلوم عادة منتشرة، ويا حسرة على العباد. فهل يجرؤ أحدنا على أن ينصح من هم أعلى منه درجة في العمل مثلا بمثل هذه الكلمات؟ وهل نحن بالفعل نراعي في حياتنا تطبيق مثل هذه النصائح في معاملاتنا مع المحيطين بنا من أهل وأصدقاء ورؤساء في العمل؟! أنا على يقين من أن كل واحد منا سيقول: أنا هكذا، لا أخشى إلا الله، ولا تخالف أفعالي أقوالي، وأحب للناس ما أحب لنفسي، ولا أخشى في الله لومة لائم. ولكن، إذا كنا حقا كذلك، فما بالنا وقد كثرت بيننا الجرائم، وساءت أحوالنا، وتكدرت معيشتنا؟! بالله عليكم تدبروا هذه النصائح، وحاولوا العمل بها. ألا ليت قومي يعلمون. [email protected]