اشتبكت الشرطة الإسبانية أول أمس مع عدد من السياح المسلمين حاولوا رفع الأذان وإقامة الصلاة في مسجد قرطبة الذي تحول إلى كاتدرائية في القرن الثالث عشر الميلادي، ذكرتني الحادثة بموقف شهدته شخصيا في نفس المسجد عام 1986م عندما اصطحبني والدي (رحمه الله) مع إخوتي لزيارة هذا المعلم الإسلامي الرائع!! تقدم عدد من السياح الخليجيين إلى محراب المسجد ورفع أحدهم الأذان بأعلى صوته ثم نادى لإقامة الصلاة واصطف مع رفقته لأداء الصلاة، كان مشهدا مهيبا قابله السياح المسلمون بالغبطة وقابله السياح الأجانب بالدهشة، لكن أحدا لم يتعرض لهم أو يمنعهم من إكمال صلاتهم أو حتى يؤنبهم على فعلتهم، كان هناك تسامحا واضحا مع تصرف السياح الخليجيين!! لا أستطيع أن أجزم أن ذلك التسامح كان سياسة سائدة وليس حالة عابرة في ذلك الموقف بالذات حتى أسأل ما الذي تبدل خلال هذه السنوات حتى أصبحت الصلاة العابرة في المسجد القرطبي أمرا يستدعي تدخل الشرطة الإسبانية؟! وبالتالي هل هو تمادي السياح المسلمين في ممارسة العبادة حتى أصبح ذلك يتعارض مع نظرة الأسبان للمكان كمتحف أثري يستقبل الزوار لا دار عبادة تستقبل المصلين، أو هو تغير في الأشخاص المشرفين سواء في الإدارة السياحية أو الكاتدرائية المسيحية تبعه تغير في روح التسامح؟! فالقانون الإسباني يمنع منذ القدم ممارسة الشعائر الإسلامية في المسجد ومحيطه الخارجي ويستمد هذا المنع من الدلالة على انتصار المسيحية في أسبانيا على الإسلام، ورمزية التسامح التي شهدتها قبل 24 عاما لا تتفق مع رمزية المسجد القرطبي اليوم شاهدا على سقوط آخر بقعة في دولة المسلمين الإسبانية!! لكن السؤال الذي يفترض أن نطرحه متجردا من العاطفة، هل الإصرار على الصلاة في المسجد القرطبي سيعيد ربيع قرطبة؟!.