من حسن الحظ أن تربطني صداقة وطيدة بالمثقف الرائع إياد أمين مدني تزيد عن ربع قرن وأكثر، ومنذ أن عرفته تعلقت به وبعمق ثقافته وتعليقاته الساخرة، لم أكن أتأخر عن دعواته ولا هو كان يتأخر عني، ورحم الله صديقنا حمزة بوقري الذي عرفني به، وحمزة كان من أفذاذ الرجال ولكن تخطفه الموت باكرا فكان فقدنا كبيرا ومؤلما، لكن صديقنا إياد عوضنا عن ذلك الفقد فكنت أراه فيه، وأبو مازن إياد بن أمين رجل واسع الخبرات العملية، ويكفيه أنه مجدد إدارة صحيفة عكاظ وأحد أهم الذين دفعوها إلى النجاح وإلى الإدارة الحديثة، ناهيك أنه تولى وزارتين مهمتين هما الحج والإعلام وترك بصمات له في تطويرهما واضحة لا تنكر، وهو الذي فتح باب العمرة وكان يردد أنها ستكون رديفا للبترول في تأثيرها على الدخل القومي، وربما يتحقق قريبا .. إضافة لكل ذلك وقبله كان صاحب قلم سيال وفكر متحرر جعله يشارك في كثير من المنتديات والمؤتمرات يجول ويصول فيها بكل اقتدار. وما إن تقاعد عن عمل الوزارة حتى شغل وقته في جمع وترتيب تلك الأوراق من مقالات ومشاركات، وقد أخرج أول ذلك في كتاب جميل بعنوان «سن زرافة»، فلم يجعله مجرد جمع بل أدمج المقالات المتشابهة المواضيع وحذف وأضاف، فكأنه إنشاء جديد قديم، عنوان الكتاب ضرب من السخرية التي تعودناها منه، ولأن الكتاب يتحدث عن «من نحن» فقد بدأه بحكاية سن زرافة الجارية المسكينة التي ضربتها سيدتها «بالقبقاب» حتى خلعت سنها، وفيها من الرمزية والإشارة إلى أن جزء من هويتنا العنف والتسلط وتربية جافة، وهكذا تسير فصول الكتاب مرورا بالقبلية والعنصرية إلى مناقشات حول «القضية» والوحدة والتنمية وكل «العلك» المتولد من الهزيمة والخوف. حقيقة .. الكتاب ليس للتسلية ولكنه نوع من العصف الفكري حول قضايا عويصة قديمة جديدة، ليس لها جواب صريح أو هكذا أراد.