قدم معالي الاستاذ اياد امين مدني كتابه الجديد (سن زرافة) الذي حمل في طياته مقالات كتبها المؤلف خلال الحقب العملية السابقة له والتي تتناول نظرة المجمع الى هويته الذاتية وكيف يراها ويعرفها ويمارسها. اما الفصل الثاني من الكتاب فيتناول المحددات التي تؤطر لحركة المجتمع في المملكة، بينما تتوجه مقالات الفصل الثالث من الكتاب الى مناقشة دور الدوائر العربية والاسلامية التي تتأثر وتؤثر في الحراك المجتمعي في المملكة. ويضم القسم الثاني من الكتاب الاوراق والتعقيبات التي تطمح الى تعريف معالم الوصول الى فكر مستقل محاصر واصيل خارج الدوائر التي يعيشها العالم العربي منذ نهضته الحديثة. سن زرافة في المقال الاول للكتاب دلالة واضحة على اهتمام الاستاذ مدني بعكس هوية المجتمع في صورة سردية رائعة وخاصة مجتمع وبيئة المدينةالمنورة التي اولاها اهتماماً خاصاً حين يقول في مقاله: كان الوقت صيفاً، وتراب السموم يتسلل من كل ثقب وفتحة، وهزيزها يعربد في الخارج، اسند ظهره على المقعد يستجدي مكيف الهواء الصحراوي نسمة هواء باردة، وامامه كوب من اللبن المثلج يرشف منه بين غيبوبة واخرى عله يخفف من جفاف حلقه الذي دكدكه الهواء العاصف وشرخته الحرارة.. وعلى مقربة منه، جلست على الارض "دادته" الودودة.. جارية من جواري اسرته، لم تغادر بيتهم منذ ان اعتقها جده، وأصبحت للجميع اما واختا ومربية، تعرف اسرارهم، وطباعهم وتفخر بأسرتهم كما لا يفخرون هم.. اصابعها السمراء تلف تبغاً داخل ورقة بيضاء رهيفة بمهارة عمرها عقود من الزمن، امتد لسانها يبلل طرف الورقة، ويكمل صنع السيجارة الرقيقة.. مد يداً متعبة يشعل لها سيجارتها بعود ثقاب كانت حرارته اقل من سخونة العاصفة المزمجرة.. اعتدلت العجوز في جلستها وتأملته وكأنها تراه لأول مرة. - "هي هيه.." آهة مرحة اطلقتها وهي "تشنط" حواجبها، وتنفث دخان لفافتها بلذة ظاهرة، عرف من ملامح الوجه المعروق رغبة ملحة في الكلام، وان كان لها من عادة سيئة فهي كثرة الكلام، اخذ رشفة اخرى من اللبن المثلج، وسمرت نظراته تجاعيد السنين وما صنعته بوجه العجوز، تملكه شعور بانها معه وليست معه.. اقتحمت خاطره حقيقة انه امام امرأة تعيش ايامها الاخيرة، تنتظر قضاء الله وقدره، وانه بالرغم من كل العمر الذي قضته معهم لا يعرفها تماماً.. وانها ستختفي وتذهب بعيداً عنه، وعنهم جميعاً دون ان يكلف احد نفسه عناء التعرف عليها. انتقلت عدوى الرغبة في الحديث منها إليه، اوشك ان يسألها عن الحجاج والزوار الذين تؤجرهم الدور الاول من مسكنها القديم المجاور للمسجد النبوي الشريف.. عن احوال المواسم وعن "الصيرفة" التي كانت تخطط لشرائها دائما وابدا.. عن "عبدالله" الرجل الذي تزوجها ثم طلقها بعد اسبوع لانه ادرك انه حتى كزوج، يأتي في المرتبة الثانية بعد محبتها لهم.. لاهل "ستها" كما كانت تسميهم. حيث مثل الذي يدور بينهم دائما، لكنه وجد نفسه يسألها فجأة عن الجواري والعبيد في المدينة التي لم يعرفها وعرفتها هي. - "دادة.. هي المدينة كان بها عبيد وجوارٍ أيام زمان..؟". - "كثير.. كثير..". - "إلى متى". - "إلى ان جاء السعودي وسوَّى كده، لا احد يبيع ولا احد يشتري..". - "أكانوا يضربوهم؟" سألها مستفزاً.. - "أيوه.. أيوه.. شيء كثير". - "الحريم أم الرجال"؟ - "الحريم على الرجال". - "كيف كانوا يضربوهم؟". صمتت تحدق فيه بعينين حزينتين.. - "كانوا يضربوهم ضرب جبار.. حتى ربنا ندروا من عيونهم دحين". - "من هم؟". - "من أهل المدينة". - "عجيب!". - "ستي فلانة الله يرحمها حطت زرافة..". - "زرافة..؟" قاطعها مستفسراً. "ايوة، زرافة جاريتها، حطتها على طرف البركة، وقعدت تضربها بالقبقاب الشامي إلى ان ندرت سنها، والدم سار يخر كده.. وسيدي فلان الله يرحمه شافها من الطاقة وقال لها يا فلانة، يا كافرة.. حرام كده تسوي.. ويريد الله، وتاني يوم تروح ستي فلانة تزور الجيران، وتتدردب دردبة من الدرجة، ويطيح سنها.. وهي بنت لساعها". - "زي سن زرافة". - "ايوه.. وما كان في غير السيد الصالح يسوي الاسنان، وجابوه، وسوى لها السن الدهب اللي تعرفه.. اهو.. الله يرحمها". - "الله يرحمهم جميعاً". - "وغيره.. وغيره" استطردت وشريط الحياة يمر امامها.. "كثير جبارين، كانوا يجيبوا عبيد الأغوات، ويكتفوهم فوق السلم، ويجيبوا عبيد يضربوهم". - "والأكل والشرب.. كانوا يقصروا معاهم كمان؟". - "في ناس.. في ناس لا.. أكلهم غير، وأكل الجواري غير". - "كيف يعني"؟ لم يعد هناك حد لشهيته للحديث الآن.. - "والعيش ينخبز لوحين.. عيش للأسياد وعيش للعبيد.. شيء مرجوف وشيء مخشن". - يا ساتر!. - "أخ يا ولدي، كانوا يأخذون الحطبة من تحت القدر ويضربوا بها الجارية.. كان يضربوها حتى تقول السقا هو الغلطان..كانوا.. وكانوا..". - "ولا تقدر تشتكي؟". - "على مين يا عيني؟". تذكر الحديث، والسموم، والمكيف الصحراوي العتيق، وهو يمر بجوار سور البقيع يتمتم الفاتحة على روحها وأرواح من يعزون عليه. أهكذا كانت أيام زمان!؟ عجيب هذا الزمان، فكلما ابتعدت الشقة، ازدادت الصورة بهاءً ورقة. لا نرى الملامح الصغيرة.. البقع القاتمة التي تملأ الأركان، فكلما تحدثوا عن أيام زمان وليالي زمان، تحدثوا عن الوفاء والغيرة وحب الأهل ووصل الجيران.. وكيف كانت الحياة مستقرة وداعة حنونة على الجميع. لا أحد يذكر في غمرة تدليله الماضي دكة العبيد والجواري.. أو زرافة وسنها المخلوع.. والسقا المتهم ظلماً.. والحطبة المشتعلة ناراً والعيش المخشن. اعترافات كاتب في قالب سردي بارع، عكس الاستاذ إياد مدني مشهد وصول صاحب السمو الملكي الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز "رحمه الله" إلى المدينةالمنورة عندما تولى امارتها، وقد صاغ الكاتب المقال بشكل مزج بين رسالة الكاتب تجاه الوطن وشخصية سمو الأمير الراحل بما تحمله من صفات الطيبة والكرم والخصائص الفريدة التي يتمتع بها مجتمع المدينةالمنورة حيث يقول: مسجد قباء ينتصب أمامهم بمآذنه الجديدة الشامخة، وطل المطر يتحول بالتدريج من رذاذ إلى وابل وجود، و"سواد" الطريق يكتسي بلمعة تنعكس عليها صورة العربات المارة.. وركاب السيارة الفارهة، الانجليزية الصنع، يملؤهم شعور بالغبطة والانشراح كأنهم تلاميذ مدرسة أعفوا من يوم دراسي شاق طويل للقيام برحلة استجمامية وسط الغيوم والأمطار والجو المشبع بالشذى والهواء الندي المغسول لتوه بماء المطر، كانوا أربعة.. تجمعهم زمالة الحرف، وتشابه الاهتمامات وصداقة تزداد تآلفاً وعمقاً. جلس الأربعة في العربة النبيذية اللامعة يتلفتون في كل اتجاه بحثا عن عربات الأمير. والأمير هنا هو عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود، الذي أولاه خادم الحرمين الشريفين مسؤولية إمارة ثاني هذين الحرمين، جاء ليكون مشرفا ومنفذا لحلم ولي الأمر في أن تتحول المدينةالمنورة إلى تلك المدينة النموذجية التي تليق بعاصمة الاسلام الأولى، مقر خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين، ومثوى سيد الأمة ورسولها وحبيبها المصطفى محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم. تلتقي بالأمير عبدالمجيد فتؤخذ بتواضعه، وتجذب انتباهك قدرته على الاستماع، ويأسرك طموحه المتزن المدروس، ولا تملك إلا أن تشعر بقربك من شخص لا يترك بينه وبينك مسافة إلا طوتها سماحته وابتسامته ومكارم أخلاقه. اقترح عليهم الأمير أن يصحبوه في رحلة إلى "مهد الذهب" ليجددوا معرفتهم بأرجاء هذا الوطن المترامي .. وأهله.. وبعض ما يتم على ترابه. ووافقوا متحمسين! فبعد فترة من الزمن يكاد المرء ممن هو مثلهم أن يظن أن الوطن كله من الكتاب والصحفيين وبيروقراطيي الأجهزة الحكومية. وأن اهتمامات الوطن هي تلك التي تلوكها اجتهادات الصالونات الأدبية، وأن العالم محصور في تلك المسائل والمشكلات والشخصيات والرجالات! ولكن أين موكب الأمير!؟ تبادلوا اللوم.. فعقارب الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحاً، ساعتان كاملتان بعد الموعد المقرر! صلاة الفجر في الروضة الشريفة ثم إغفاءة لذيذة مع نسيم الصباح المحمل بتباشير المطر، وافطار ترجرج على صحافه السمن البلدي، وطبيعتهم "المثقفة" الكسولة أنستهم أن الوقت يمر سريعاً لا ينتظر انتهاء جدل المثقفين ولا مراسم تأنقهم وملبسهم!.. قرروا السير على طريق الهجرة في اتجاه جدة ولا بد أنهم لاحقون بموكب الأمير.. لم تمض فترة طويلة إلا وهم وسط زحام مخيم أقيم على حافة الطريق، والقوم بتزاحمون في أركانه مرحبين بالأمير غير عابئين بزخات المطر الذي يبلل ملابسهم ناشدين اشعارهم وسيوفهم تبرق في ايديهم وهم يعرضون. لم يتبين تماما المفردات والالفاظ ولا معاني الكلمات.لا بد انها كانت مديحا في الامير واهله وترحيبا به وبصحبه، وفخرا بالمنشدين وقبيلتهم، واصولهم وجذورهم. ابياتا نبطية سمعت مثلها رمال الصحارى وقفار الجبال والوديان على امتداد سنوات لا يعرف لها احد اولا.. كلمات مثل.. فتى طال بالعليا شامخ الذرا وكثير الملا من عين علياه شابه ومثل.. عليها قرو من عندها الموت الموقن قد فنا وحتى ولو حين فلا هي بها يبه يخوضون بحر الموت في لجة الوغا بيض وسمر في من دما الضد شاربه كان المنظر آسرا. فظلال الدجن وقطرات المطر الذي تساقط هتانا تكسر جفاف الوديان والحرار التي امتدت في رحابة الى الافق البعيد. حتى الجبال بدت أكثر رقة في تلك الغلالة الرمادية النقية. وتحركت في نفسه مشاعر محيرة عجيبة. فهذا التجمع الذي يراه وتلك الوجوه السمراء التي تزاحمت على امتداد الطريق لا يفصل خيامها بعضها عن بعض الا اكيال قصيرة، وتلك النظرات الحادة، هؤلاء لا بد وان يكونوا اهله وعشيرته وقومه وشعبه. الا يعيش من أجل هذا الوطن, والا يعمل ويفكر ويكتب ويغضب ويستنكر ويأمل ويرجو من اجل هذا التراب، وأليسوا هم أهل هذا الوطن وشعب هذا التراب؟ نظر اليهم بتساؤل المكتشف، وارتدت نظراتهم اليه بصبر من يتحمل فضول صحب الضيف العزيز. بالنسبة له، كانوا "كما" يود معرفة كنهه والغوص في أسراره ومعرفة الغازه. فهو لا يعرفهم سوى زملاء في الدراسة او شركاء في العمل، لا بادية على اطراف طريق عام ترحب بشخصية عامة. ولعله بدأ في أعينهم كقطعة من الكماليات التي لا يكتمل موكب من هذا النوع الا بها.. "غترة" بيضاء وثوب "منشي" وكلام غير مفهوم. اخطؤه ام خطؤهم؟ أم خطأ الفرصة التي غابت عنه وعنهم. هل ابتعد عن الجذور حين اكتفى بأصوله في المدينة (أي مدينة). وحين بحث عن نفسه وسط مبانيها وزحام طرقاتها وضجيج شوارعها؟ ام خطؤهم باصرارهم على قبلية لا تقبل الا بمن يشترك في الاب والجد، والاصل الذي يلتقي به كل فرع، تشهد على اصرارهم كثرة مخيمات الترحيب التي حرص اصحابها على الاستقلالية والتميز لاختلاف الفرع عن الفرع والاسم عن الاسم، فما بالك بالفتى المنشي القادم من المدينة. أم ان الجميع فريسة لنمط حياة لم يأخذ في الاعتبار ضرورة إزالة الحاجز وهدم الحائط الاجتماعي الذي يرسم خطاً بين الحضري والقبلي، وبين القبلي والقبلي..، ومجتمع لم يتفرس طويلا في سؤال أساسي كبير: كيف يعرف المرء نفسه؟ أهي الجغرافيا.. أم البطن والفخذ..أم الدور التاريخي في بناء صرح الوطن وإرساء أسسه؟ الجغرافيا، في عصر المواصلات والاتصالات وفرص العمل والتجارة وكثرة السفر والتنقل لا يمكن ان تكون أكثر من ارتباط عاطفي يشد الانسان الى ديار ولد فيها وشهدت براءة صباه ومغامرات فتوته، لا تعريف لهويته ومحط لانتمائه. وتقديم البطن والفخذ كعنوان له أمر طبيعي. فليس هناك من لا يعتز بأصله وفصله ونسبه وأسرته، لان ذلك من طباع الانسان وغريزة من غرائزه وشعور يمنحه الثقة والاطمئنان. غير الطبيعي هو ان يكون "الأصل" طريقا للتفرقة ومبررا لعدم المساواة وشرطا للقبول الاجتماعي وقيدا يحول دون التقدم المهني. هنا يبتعد الانسان عن اسلامه، فقد خلق المولى عز وجل آدم من تراب وكلنا عيال آدم، وهو الذي قال: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير). وهنا يناقض من يقول بغير هذا طموح عروبته وكينونتها بين الاقوام. اما الوطن فهو شراكة بين الجميع. هناك من قاتل بسيفه، وهناك من قدم خلاصة فكره وخبرته، وهناك من ايد وناصر بقلبه وماله وايد بدعائه ودعمه. وما كان لمثل هذا الوطن ان يقوم لولا كل هؤلاء. روافد لا تحصى صبت كلها في ذلك الدفق التاريخي الذي اثمر وحدة وطنية راسخة وطيدة. المرء في نهاية المطاف وقبل الجغرافيا والفخار بالدم والاعتزاز بالدور هو عمله. جهده واسهامه. وقيمته هي فيما يقدمه لعقيدته ثم لوطنه. وخير دعوة للعقيدة هي في ترجمتها الى واقع معاش ملموس. المجتمع القوي المنتج المتفتح المنطلق الآمن المطمئن، مجتمع مكارم الاخلاق هو مفتاح جذب الآخرين الى قيم العقيدة ومراميها ثم عباداتها وشعائرها. تلك المسافة التي احس بها بين رفاقه في العربة الباذخة وبين الذين تزاحموا على امتداد الطريق الى المهد، مسافة تقع مسؤولية قطعها عليه وعلى رفاقه ومن هم مثلهم قبل ان تكون على اولئك. فهم الذين امتشقوا اقلامهم وافترضوا لانفسهم دورا وتصوروا لكتاباتهم رسالة وأن لافكارهم هدفا. من هذه قناعته، عليه ان يرافقها بشيء من العرق وكثير من الجهد، يحيك بهما نسيج وطن واحد. سؤال الهوية يتساءل الاستاذ اياد مدني عن هوية التنمية فيقول: حقيقة تكاد تكون واضحة بذاتها وبلا حاجة لشرح واستفاضة، انه في التحليل الاخير وفي السطر الذي ما بعده سطر يقع تأثير التنمية التي مر بها مجتمعنا السعودي والعربي المسلم، وما احدثته من متغيرات اجتماعية، والنجاح أو الاخفاق الذي صاحب ثقافتنا وهي تتعامل مع هذه المتغيرات وتحاول استيعابها، في بؤرة أي نقاش يدور حول اوضاعنا العامة اليوم. ولما كنا نمر بفترة يعيش بها العالم من حولنا موسم تغير لجلد ايديولوجياته وفلسفاته، فقد يكون من المناسب، ان لم يكن من الضروري، ان ندعو لفتح الباب على مصراعيه أمام نقاش حول العلاقة المتشعبة والخصبة بين التنمية, والتغيير الاجتماعي، والثقافة. تسعفنا في ذلك تجربة عقود من التنمية المبرمجة المدروسة. وحصيلة تطور هائل لم يترك مجالا من المجالات الا واقتحمه ولا نشاطا من الانشطة إلا والتحم به. رؤيتنا لأنفسنا ما هي رؤيتنا لأنفسنا ومجتمعنا ومستقبلنا والطريق الذي نسلكه نحو هذا المستقبل؟ وما هي عناصر هذه الرؤية وسماتها ومدى وضوحها وعمق قناعتها بها، وبالتالي استعدادنا للتضحية من أجل بلورتها والوصول إليها؟ لعل أقرب ما يمكن ان نجده كطرح محدد لرؤية من هذا النوع يتلخص في خطط التنمية المختلفة، ففي هذه الخطط، وبعد دراسات مستفيضة ومقارنة بين الخيارات المتاحة أوجز مجتمعنا لنفسه الأهداف التي يطمح في تحقيقها والأطر والمقاصد التي تحكمها والسياسات التي يأمل ان يؤدي تطبيقها الى تحقيق هذه الاهداف. والمتأمل في ما جاءت به خطط التنمية يتلمس بين ثنياها ملامح تصور عام لأبعاد المعادلة الاجتماعية التي نعيشها،ولعناصرها المتداخلة المتشابكة، ولنتائجها المتوخاة والمقصودة.