حين نتحدث عن الجامعات، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان دور الجامعات في قيادة الفكر ونشر المعرفة وخدمة المجتمع، وهذا الدور يضع الجامعات وجها لوجه أمام مسؤولية معالجة الانحرافات الفكرية التي تظهر أحيانا في المجتمع، سواء كانت مرتبطة بالدين أو غير ذلك، ومنها أفكار التطرف التي تتبنى قيم التعصب والغلو والكراهية والتمييز أو غيرها من القيم الضارة، التي تؤدي إلى ظهور العنف والإرهاب ونشر الرعب وترويع الآمنين. والجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، واحدة من الجامعات العديدة في بلادنا التي أدركت دورها العظيم في حمل مسؤولية قيادة الفكر وتوجيهه في المجتمع، فتبنت تنظيم مؤتمر دولي حول «الإرهاب بين تطرف الفكر، وفكر التطرف»، عقد خلال الأسبوع الماضي في المدينةالمنورة. وكانت الغاية منه بث رسالة إلى العالم تتضمن براءة الإسلام من أعمال العنف والتدمير والتعدي على الأبرياء، التي ترتكب باسم الإسلام. فالإسلام جاء لينشر الأمن والسلام ويحفظ الحقوق ويصون الدماء، ولم يأت للترويع والتدمير والتخريب والإهلاك. إن عقد هذا المؤتمر الدولي، الذي يشارك فيه محاضرون ينتمون إلى مختلف البلاد الإسلامية والعربية، يمثل في الدرجة الأولى محاولة جادة من الجامعة الإسلامية لاتخاذ خطوة عملية نحو الخروج من دائرة المحلية لإطلاع العالم من حولنا على بطلان ما يتداول ويشيع في الإعلام الغربي وغيره، من صور مشوهة للإسلام والمسلمين، وقد رأيت إقبالا كبيرا وحرصا، من طلاب الجامعة غير العرب من المنتمين إلى مختلف البلاد الإسلامية، على حضور الجلسات والإنصات لما كان يطرح من أفكار ومناقشات، وهذا يعني أن الجامعة نجحت في تحقيق أهدافها بتبليغ الرسالة إلى بقاع العالم، فهؤلاء الطلاب سيعودون يوما إلى بلادهم وسيسهمون في نشر الحقيقة وتعرية الزيف والتضليل. وفي ظني، لو أن الجامعة أضافت إلى هذا الجهد، توجيه دعوات خاصة إلى بعض الشخصيات المؤثرة في الإعلام الغربي والعالمي عامة، للمشاركة في المؤتمر والاطلاع عن قرب على حقيقة الفكر الإسلامي المتسم بالتسامح والاعتدال ومناهضة العنف والكراهية، لربما حققت نجاحا أكبر في بلوغ ما تريد من محو للصورة المشوهة للإسلام وإجلاء الصورة الحقيقية له، لتحل محلها، سواء في الغرب أو غيره من أنحاء العالم. أهنئ الجامعة الإسلامية على نجاحها في إدارة هذا المؤتمر المهم والكبير، حيث تمكنت، رغم ضخامة أعداد المدعوين، من إخراج مؤتمرها في صورة مشرفة من حيث التنظيم والانضباط والالتزام بالمواعيد وتوفير الراحة للضيوف والاهتمام بهم اهتماما كبيرا، بلغ حد التدليل حتى ليكاد المرء، من فرط الاهتمام به يظن نفسه الضيف الوحيد في المؤتمر. وهو بلاشك، أمر ما كان ليتحقق لو لم تبذل في سبيله جهود كبيرة وعمل شاق مضن وطويل. فلجميع العاملين في هذه الجامعة الشامخة خالص الشكر والتقدير، ودعوات إلى الله بالتوفيق إلى مزيد من النجاح المستمر.