يدفع غياب الزوج، بسبب الوفاة أو الطلاق أو العجز، كثيرا من الأرامل والمطلقات إلى سوق العمل؛ بحثا عن ما يساعدهن على مواجهة ظروف الحياة، وتوفير لقمة العيش الكريم لأطفالهن، وتأمين احتياجاتهم الضرورية ومصروفهم المدرسي. وأفرز هذا الوضع واقعا جديدا في المجتمع وفي نظرته للمرأة العاملة، فمن التكسب الذي كانت تمثله بعض كبيرات السن من باب المتاجرة بأشياء بسيطة، إلى الباحثات عن وظائف وفرص عمل؛ سدا لحاجة أسرهن وأطفالهن، ما يفرض على الجهات المعنية الاضطلاع بدورها في هذا الخصوص. أرملة تعول 7 الأمثلة على خروج المرأة المحتاجة وقبولها بأي عمل كثيرة ومتنوعة، منها مكابدة أرملة خمسينية تعمل بائعة ملابس لتعول سبعة أطفال. تروي أم علي من بسطتها في أحد أسواق جدة: توفي زوجي في شبابه وتركني أواجه الحياة لحماية أبنائي، فلدي ست فتيات وولد لم يبلغ الرشد بعد، أتقاضى من الضمان الإجتماعي 2250 ريالا، وهو مبلغ لا يكفي لسد طلبات واحتياجات أسرة، ما جعلني أقدم على العمل في البسطات، حيث أبدأ العمل من الثالثة ظهرا إلى منتصف الليل، وهو عمل متعب بالنسبة لامرأة تترك أطفالا بمفردهم لتسع ساعات متواصلة، ولكن ليس باليد حيلة. عاملة تعول 5 حكاية كفاح أخرى من أجل أبنائها ترويها أم طلعت، التي تعمل عاملة في إحدى المدارس قي جدة، تقول «لدي خمسة أبناء جميعهم في سن الدراسة، وزوجي طاعن في السن ومقعد وعاجز عن العمل، ما دفعني للعمل منذ سبعة أعوام في المدرسة وأتقاضى راتبي من المعلمات، وهو مبلغ لا يكفي لمتطلبات الحياة، ومصاريف الأبناء في الدراسة، وباختصار يعتمد المنزل على راتبي فلا يوجد لدينا ضمان أو راتب تقاعدي». لا يقتصر خروج المرأة للعمل والبحث عن وظيفة على الأرامل والمطلقات فحسب، بل يشمل حتى الفتيات والطالبات.. تروي سمية محمد البالغة من العمر 27 عاما: تخرجت في الجامعة، وبحثت على وظيفة في مجال تخصصي، ولكني لم أجد، عندها بدأت البحث عن أية وظيفة أكسب من ورائها ما أساعد به أسرتي، فدخلنا الشهري ضعيف ولا يكفي لسد احتياجاتها، فلم أجد سوى العمل في بيع الأطعمة الغذائية في «كشك» الجامعة براتب 1500 ريال شهريا. أسرة على المكافأة تروي مريم علي (20 عاما، طالبة جامعية) «تعد مكافأتي البالغة ألف ريال مصروفا جيدا، لسد احتياجات أسرتي المكونة من سبعة أفراد». وتضيف: تحملت المسؤولية لوحدي بعد وفاة والدي، حيث لم يعد هناك من يعيلنا أو ينظر في احتياجاتنا، وكل ما نتقاضاه من الضمان الاجتماعي(2600 ريال)، يضيع بين مصروف المأكل والمشرب وسداد الفواتير وغيرها، وفي كثير من الأحيان ينتصف الشهر ولا يتبقى سوى بضعة ريالات تدخرها أخواتي الصغيرات من مصروفهن المدرسي. أولوية توظيف من جانبه، يدعو عضو مجلس الشورى حمد القاضي إلى إعطاء المرأة، التي يثبت إنفاقها على أسرتها، سواء كانت مطلقة أو أرملة أو أن زوجها عاجز عن العمل، الأولوية على غيرها في التوظيف، خصوصا إذا تساوت مع غيرها في المؤهلات والخبرات؛ لأنها الأكثر احتياجا من غيرها. ويضيف القاضي قائلا: إن توفير العمل للمرأة يحقق عدة أهداف منها: الإنفاق على أسرتها، وتقدير كفاحها وعطائها لأطفالها، وعلى الخدمة المدنية أو مكتب العمل والعمال توفير العمل لها مع مراعاة نوع الوظيفة وطبيعة العمل. الخاص ليس جمعية من جانبه، قال عضو مجلس الشورى مازن بليلة: ما لا شك فيه أن فرص عمل المرأة محدودة، بسبب عدم توافر بيئة عمل توافق ما يتطلبه نظام العمل في الاختلاط الشرعي، فينبغي على وزارة العمل أن تبحث عن سبل لمساعدة المرأة وتوفير فرص عمل لها تتناسب مع طبيعتها، خصوصا إن كانت هي العائل الوحيد لهذه الأسرة. وأوضح بليلة أن القطاع الخاص يهدف دائما للربحية، وعندما يطلب منه إعطاء أولوية التوظيف للمرأة، يبقى الرد بأنه ليس جمعية خيرية، ومن هذا المنطلق يجب على وزارة العمل أن توازن بين كيفية عمل هذا القطاع وبين حاجة المرأة العاملة التي تعول أسرتها، مشيرا إلى دور صندوق تنمية الموارد البشرية التابع لوزارة العمل في تفهم احتياجات المرأة ومراعاة ظروفها الخاصة، فهو همزة الوصل بين طالبة العمل وبين صاحب العمل الباحث عن الإنتاجية والربحية وإيجاد بيئة العمل المناسبة. اختصاص العمل «عكاظ» سألت مدير مكتب العمل في جدة قصي فلالي عن مدى مراعاة مكتب العمل لظروف المرأة العائل، وتوفير فرصة عمل لها، فأجاب موضحا: من واجبنا البحث عن عمل مناسب لطالب العمل صاحب الظروف الخاصة، أو المرأة كأن تكون مطلقة أو أرملة تعول أسرة، فنحن نقدر مثل هذه الظروف ونجعلها محور اهتمامنا، مضيفا: ليس من اختصاص مكتب العمل والعمال دراسة الحالة الاجتماعية لطالب العمل، ولكن يتم الأخذ بعين الاعتبار عند شرح طالب العمل مدى حاجته، ونحاول قدر الإمكان مساعدته في توفير بيئة عمل تتناسب وحالته. وأوضح فلالي أن «العمل بصفة عامة يتطلب قدرات ومؤهلات وشروطا معينة، فصاحب العمل الخاص ينظر للربحية وقد يكون لبعض القطاعات الخاصة هامش اجتماعي، ولكنها لا تحتمل فوق طاقتها، وهنا يأتي دور الشؤون الاجتماعية في مساعدة المحتاجين، وخصوصا الفئات التي ليست لديها مؤهلات علمية أو قدرات على أداء العمل. الأسر المنتجة إلى ذلك، يعلق مدير عام المكتب الرئيس للشؤون الاجتماعية في منطقة مكة عبد الله آل طاوي: بدورنا ندرس حالات المطلقات والأرامل ومدى إمكانية إفادتهن من مشروع الأسر المنتجة وتحويل الأسر المعولة إلى أسر عائلة، أما بالنسبة لتأمين متطلبات الحياة، فلا توجد برامج مخصصة للمأكل والمشرب والملبس أو المسكن، ما عدا برنامجا مخصصا لسداد فواتير الكهرباء. أما فيما يتعلق بالتأثيث، فالبرنامج مقنن بحيث لا يقدم خدماته إلا بعد دراسةالحالات الأكثر احتياجا.