غازي القصيبي له كتاب بعنوان (بيت). هذا الكتاب لا أدري ما سره،! فقد أحببته كثيرا، وأجدني أعود إليه بين كل حين وآخر أستمتع بقراءة ما دون فيه. الكتاب يمثل مجموعة مقالات قصيرة كان القصيبي ينشرها في الصحف تحت عنوان بيت، حيث كان يختار لكل مقال بيتا من الشعر له سمة خاصة، ثم يأخذ في الحديث عنه من خلال ما يثيره البيت في نفسه من انطباعات وتأملات. من بين الأبيات الواردة في الكتاب، بيت عروة بن الورد: (فياللناس! كيف غلبت نفسي على شيء، ويكرهه ضميري) يشرح المؤلف هذا البيت موضحا أن الشاعر يتحدث بحسرة عن اضطراره إلى القبول بشيء لا يحبه ولا يرغب فيه، لمجرد إرضاء الناس الذين يدفعونه إلى ذلك دفعا، ثم يعلق على ذلك بقوله: «حسنا إذا كنت واثقا من سلامة موقفك، واثقا من أنك تتبع صوت ضميرك، فلا تترك لأحد الفرصة في أن يجرك إلى حيث لا تريد أن تذهب، وإلا وجدت نفسك بعد فوات الأوان تردد مع عروة بيته المأساوي». والقصيبي يتحدث عن هذا البيت، في معرض حديثه عن جمال بعض أبيات الشعر، التي تعكس التجارب الإنسانية وتسجلها بصدق معبر عن حقيقة سلوك البشر، بصرف النظر عن كون الأبيات تعرض سلوكا نبيلا أو رذيلا، فقيمتها هنا، في كونها تقدم تصويرا صادقا للتجارب الإنسانية التي يمر بها الناس عادة. وتجربة اتخاذ قرار ما يخالف ما في النفس لمجرد إرضاء الناس، هي ليست بالتجربة النادرة أو الفريدة، فما أكثر الذين يفعلون ذلك، وما أكثر الذين يكرهون في أعماقهم فعلهم ذاك، لكنهم يجدون أنفسهم مضطرين إليه، رغبة في السلامة من النقد أو تجنبا لإغضاب من يخشون إغضابه! لكني أظن، رغم كثرة من يفعلون مثل ما فعل الشاعر، فينقادون لرأي الناس حتى وإن لم يعجبهم، أن غالبية الذين يفعلون ذلك هم من ذوي النفوس الهشة، الذين لا يجدون في دواخلم يقينا يثقون به ويعتمدون عليه في إضاءة الطريق لهم، فيسلمون قيادهم للناس، يستمدون من رضاهم عنهم، الاعتزاز بأنفسهم، ويطلبون من ثنائهم عليهم، الثقة بذواتهم. فأي معنى لأن تأتي أمرا لا يعجبك، ولا يرضيك، أو يشقيك، لمجرد أن الناس يرونه هو الصواب! إنك متى فعلت ذلك، ما لم تكن هناك قوة جبرية لا يمكنك التغلب عليها، ترغمك على مخالفة مشاعرك وفعل ما لا ترضى أو تحب. فإن أقل ما تستحق هو كما يقول القصيبي أن تجد نفسك «بعد فوات الأوان تردد مع عروة بيته المأساوي». فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة