أنكر علماء وباحثون شرعيون الفتوى التي أطلقها الداعية الدكتور يوسف الأحمد بشأن هدم المسجد الحرام وإعادة بنائه من جديد، وتحريمه الاختلاط في الطواف والسعي، موضحين أن هذا الاختلاط مشروع وليس كما تم ذكره في الفتوى. وبينوا في حديث ل«عكاظ» أن إطلاق مثل هذه الفتاوى التي تتعلق بأمور عامة المسلمين خطأ يثير الفتنة وأمر يجلب المشكلات. واستنكر بعضهم مثل هذه الفتاوى التي اعتبروها مخالفة للسنة النبوية وما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، معتبرين أن في هذا دعوة صريحة إلى الابتداع في الدين واستحداث أمر لم يأت به الشرع المطهر من خلال الوحيين؛ الكتاب والسنة. ورصدت «عكاظ» عددا من الفتاوى المثيرة التي أطلقها الداعية الأحمد أخيرا، وكان آخرها فتواه بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه من جديد لحل مشكلة الاختلاط في الطواف والسعي -على حد قوله- واستعرضت في آخر التقرير نص المداخلة التي تحدث بها الأحمد إلى قناة بداية.. إلى التفاصيل: ليس اختلاطا رأى الأمين العام لمجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي الدكتور صالح بن زابن المرزوقي أن «المحاذير التي يجب على الرجال والنساء التي يجب الابتعاد عنها التصاق الرجل بالمرأة، وأما الطواف في حد ذاته فلا يعد اختلاطا، بل هو أداء نسك يثابون عليه». وقال إن المراقبة والتوجيه والإرشاد أمور شرعية ومطلوبة بالرفق واللين والتهذيب، وإرشاد الضال، وتعليم الجاهل وتنبيهه إلى الأماكن المناسبة، وهذا ما يفعله الموجهون في المسجد الحرام. وأضاف المرزوقي «ما يقوم به القائمون على المسجد الحرام والمسجد النبوي من تخصيص أماكن للرجال والنساء أمور طيبة ومحمودة، كما لا شك أن النساء المثقفات والمتعلمات والحريصات على دينهن سوف يحرصن على الانفصال عن الرجال وجعلهم في حيز واحد، لكن ما يقع أحيانا من بعضهن لعله ناتج عن الجهل وعدم العلم بأن هناك أماكن مخصصة». أما عن فتوى هدم المسجد الحرام وإعادة بنائه من جديد، فقال المرزوقي «نحن لا نرى وجاهة هذه القول، فمنذ العصر النبوي والرجال والنساء يصلون في مسجد واحد دون حائل». وزاد قائلا «صحيح يخصص لهن في الأعياد والتهجد في طرف المسجد، ولا مانع أن تستر بساتر خفيف غير حائل عن رؤية الإمام والمأمومين، أما فصلهن في أدوار مستقلة فهذا لا داعي له، ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قدوة حسنة، فمع توافر الدواعي في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) وعدم فعله لها، ففعلنا لهذا الأمر يكون بدعة وتركه هو السنة، كما تركه (عليه الصلاة والسلام)». رفض قاطع رفض أستاذ الدراسات العليا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الشيخ صالح بن غانم السدلان صدور الفتاوى التي تتعلق بعموم المسلمين، مبينا أن مثل هذه الأمور لا يفتي فيها إلا هيئة كبار العلماء؛ لأن رأي الجماعة ليس كالفرد. وفي شأن متصل أكد السدلان أن «الرجال كانوا يطوفون مع النساء منذ الجاهلية، لكن الرجال يلون الكعبة والنساء في أطراف المطاف وهو ما أقره الإسلام؛ لأن الطواف في حاله وطبيعته تكون مشاعر الإنسان بعيدة تماما عن كل ما يخرجه عن طوره، فلا يلتفت إلى أشياء تفسد طوافه وتنقص عمله وهذا في العموم والأحكام تؤخذ بالغالب؛ ولهذا فإن الإسلام أقر بكون الرجال يطوفون مع النساء غير أن النساء تكون في أطراف المطاف». وأضاف السدلان «لهذا فإن الإسلام أقر هذا الجانب من اجتماع الرجال والنساء في هذه العبادة أما ما سواها فإنها تحكم بظروفها وملابساتها وطبيعة هذا الإنسان فيها، أما أن يقال إن هذا نوع من الاختلاط، ودخول النساء في المسجد الحرام واشتراكهن في الأبواب والطريق والطواف والسعي دعوة للاختلاط، فهذه دعوة شيطانية فاسدة يراد منها نشر الفساد». وبين أستاذ الدراسات العليا «أن اختلاط النساء بالرجال يترتب عليه ما يترتب كما هو مشاهد في بلاد أخرى»، موضحا «لهذا فإن الاختلاط في العبادة لا يجوز بحال أن يكون دليلا على جواز الاختلاط». اختلاط بحذر وجزم السدلان أن «الاختلاط الموجود في العبادة كالطواف والصلاة في المسجد والدخول فيه والخروج منه محاط بسياج، واختلاط على حذر شديد» متسائلا «متى وجدنا اختلاطا مثل هذا؟ نحن لم نجد ذلك». وأردف قائلا «هذا الأمر لا بد أن يكون في مدار العبادة وهو أمر محدود؛ فلو ذهبنا نحصي هذه الأشياء لوجدناها محدودة كالطواف والسعي وصلاة النساء اللواتي يتأخرن عن الرجال»، مبينا «أما نزولهن إلى الأسواق مع محارمهن وأولادهن فهذا اختلاط لا داعي لأن يحتج به على جواز الاختلاط الذي يؤدي إلى انفراد المرأة مع عدد من الرجال أو رجل واحد، أو تذهب إلى مدير عملها أو رئيسها ويغلق الباب»، مستشهدا بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين قال «ما تركت فتنة بعدي أشد على الرجال من النساء». ويؤكد «أن دعوى الاحتجاج بالعبادة غير صحيحة، وإنما يستغل ذلك من يستغله من الذين لهم مقاصد ويرمون إلى أشياء قد تسيء إلى المجتمع الإسلامي». المسائل العامة وشدد السدلان على أن «المسائل المتعلقة بشأن بناء الحرم خاضعة لاجتهاد العلماء والوسائل التي تتيح اجتماعهم متوافرة، فإذا اجتمع العلماء الراسخون وأقروه ورأوا فيه المصلحة باتفاق فما المانع، نحن نرى أشياء كثيرة مثل المشاعر والحرم والمسعى أقرت وكان لها الأثر الكبير». لكن السدلان عاد ليؤكد أنه «لا ينبغي في مثل هذه الأمور صدور الفتوى الخاصة التي تصدر من شخص، فالتعليمات موجودة عند مكتب المفتي العام بعدم السماح بالإفتاء في المسائل العامة التي تتعلق بأمور المسلمين المصيرية، ولو أحس أحد أن عنده علم وإدراك فلا ينبغي أن يتزعم الأقوال التي تتعلق بها عموميات مصالح المسلمين وقضاياهم، بل الاجتماع خير وبركة، ورأي الاثنين خير من الواحد، ورأي الجماعة خير من الأفراد، واجتماع المسلمين على كلمة حق هذا من أحسن ما ينبغي أن يتخذ». اختلاط مشروع أما أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى الدكتور شعبان محمد إسماعيل فاستنكر القول إن الاختلاط في الطواف والسعي محرم، والمطالبة بفصل الرجال عن النساء في تلك الأماكن. وقال إسماعيل «طواف الرجال والنساء وسعيهم اختلاط مشروع؛ لأن هذه الأفعال عبادة وهناك فرق بين العبادة التي أقرها النبي (صلى الله عليه وسلم) بصفة خاصة واختلاط العمل فهذه عبادة لا يمكن فيها إلا الاختلاط». وتساءل الشيخ «هل هذا الرجل سيشرع على الرسول (صلى الله عليه وسلم) ويعدل عليه؟». سنة مقررة وبين قائلا «العلماء يقولون إن سنة الرسول (عليه الصلاة والسلام) إما قول أو فعل أو تقرير، ومعنى التقرير أن يرى أشياء تفعل أمامه ويقرها، ولذلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) جعل لهذه المسألة احتياطات، فالمرأة إحرامها في وجهها وكفيها، فإذا صادفت الرجال فإنها لا تغطي وجهها بخمار لكن تسدل بشكل خفيف حتى تحتجب فإذا ابتعدت عن الرجال فلا بأس من الكشف». وزاد إسماعيل «التشريع الإسلامي والأحكام الشرعية بصفة عامة إذا ثبتت بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) فلا ينبغي أن نعدل عليها، وإلا كان هذا اعتراضا عليه (صلى الله عليه وسلم)، وفي الحرم المرأة تصلي بجانب الرجل وخصوصا في المواسم، لكن ينبغي على المرأة محاولة اعتزال الرجال». فتنة وفساد وعاد أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى متسائلا «هل المفتي الأسبق الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد العزيز بن باز، والمفتي الحالي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وأئمة الحرم لا يرون هذا ولا يدرون عنه، ولماذا لم يتكلموا عنه، فهل هو أعلم منهم؟». وبين أن «ما جاء في سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يتحدث عنه ولا يتطرق إليه، فهذا يثير فتنة ومشاكل وفي هذا من الفساد ما فيه». تأصيل شرعي أستاذ الفقه في جامعة أم القرى الدكتور محمد بن سعد العصيمي قال «إن الاختلاط في الشريعة الإسلامية الأصل فيه التباعد بين الجنسين كما جاء في الحديث الشريف «باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء»، وذلك لما في الاختلاط من المفاسد العظيمة وهو بريد الزنا والوقوع فيما حرم الله تعالى، وفي الحديث «خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها»، كل ذلك من أجل المباعدة بين النساء والرجال». الاختلاط نوعان وأوضح العصيمي أن «الاختلاط ينقسم إلى قسمين، فما كان وسيلة إلى الفساد وإثارة الغرائز فهذا لا شك في تحريمه». وبين أن الله تعالى أمر نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالمكث في البيوت فقال لهن «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى»، وقال لهن (صلى الله عليه وسلم) «هذه ثم الزمن الحصر»، وذلك لما رجع عليه الصلاة والسلام من حجة الوداع، بمعنى هذه الحجة ثم الزمن البيوت، ومنها أن «المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان» كما جاء في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصححه مسلم، وكان خروج المرأة الأصل فيه المنع وعدم الذهاب إلا إذا كانت هناك حاجة فلا حرج ولا بأس، وإذا خرجت المرأة لغير محظور شرعي فهذا لا حرج فيه، أما إذا ترتب على خروجها ومخالطتها الرجال إثارة الغرائز والشهوات كان ذلك محرما، كما قال الله تعالى «ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يبدين من زينتهن»، فنهى النساء عن ضرب أقدامهن في الأرض لخروج الصوت وهذا يثير غرائز الرجال فكان أمرا محرما. والعلماء أجمعوا على أن الأمر المباح إذا ترتبت عليه فتنة كان محرما، أما إذا كان وجود المرأة مع الرجال بلا محظور شرعي ولا إثارة غرائز فهذا وردت فيه نصوص، وهي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يخطب على الرجال والنساء في العيد وكان الرجال في المقدمة والنساء في مؤخرة المصلى وكان (عليه الصلاة والسلام) بعد ذلك ينزل إلى النساء ويعظهن ويذكرهن، كما ورد أيضا أن نساء الصحابة كن يصلين خلف الرجال بلا حائل. الصحابيات في الحج وأردف العصيمي قائلا «كان النبي (صلى الله عليه وسلم) معه الرجال والنساء وقد حج بهم حجة الوداع، وقد ذكرت بعض الصحابيات (رضي الله عنهن) شيئا من صفات حج النبي (صلى الله عليه وسلم) في بعض مناسكه، وكل هذا مشروط بعدم الخلوة وإثارة الغرائز، أما ما يحصل هذا الزمن من خروج المرأة في قاعات أو مراكز صحية معينة فهو من الأمور المحرمة التي يقلد فيها أتباع الغرب أو الشرق غيرهم». بدعة في الدين وأضاف العصيمي قائلا: على هذا فنقول إنه لم يرد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) فصل بين الرجال والنساء في الصلاة بحائل، ولم يرد هذا أيضا في الحج، ولو كان هذا خيرا لفعله النبي (صلى الله عليه وسلم) ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وكل ما توافر سببه في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) فلم يفعله فتركه سنة وفعله البدعة، ومع أنه أشار إلى النساء بعدم الخلوة وهن صحابيات وقال «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، فلم يحرم ذلك في حياته على النساء، مما يدل على أن ما ذكر من هدم الحرم وإزالة معالمه لأجل أن يكون هناك فصل بين الرجال والنساء محل نظر، ويحتاج من قال به إلى تدقيق النظر لعدم فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) لهذا الأمر، وأن المطالبة بهذا الأمر ليست من الشرع، ولو كان هذا شرعيا لأمر به النبي (صلى الله عليه وسلم) مع توافر الدواعي لذلك. حدث مؤسف عضو مجمع الفقه الدولي الدكتور محمد النجيمي وصف في وقت سابق ما قاله الداعية الأحمد بالحدث المؤسف الذي يثير في النفس الحزن والأسى، مشيرا إلى أن من يطالب بهدم الكعبة لا يسمى داعية، وحديثه لا يعتد به. تعقيب الأحمد أما الأحمد فعقب على تناقل وسائل الإعلام لفتواه بشأن توسعة الحرم المكي قائلا «كل ما طالبت به هو إعادة توسعة المطاف ليستوعب أضعاف العدد الحالي من المصلين»، موضحا أن عبارة هدم «التقطت عنوة» ولم يقصد بها المعنى الذي تم تداوله بشكل موسع، «فهل يعقل أن يطالب أحد بهدم المسجد الحرام؟». وفي ما يتعلق بالنساء قال الأحمد: لا أعتقد أن أحدا يوافق على احتكاك زوجته أو قريبته بالرجال في المطاف، فحفاظا على حقوق المرأة وإكراما لها لتأخذ راحتها في العبادة وأداء الصلاة، طالبت بتوسعة المطاف وإنشاء مواقع مخصصة لهن. وأضاف: حديثي مبني على دراسة علمية أجريتها بعد نيلي شهادة الدكتوراة، حيث قامت على أهمية توسعة المطاف ومعالجة الاختلاط بين الرجال والنساء بسبب الازدحام، وهو مبني على «قواعد شرعية» لتكوين مشروع مستقبلي متكامل في توسعة المسجد الحرام والاستفادة من الوسائل التقنية والهندسية الحديثة. رفض المطالبة وكان القاضي الدكتور عيسى الغيث قد رفض المطالبة بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه، مبينا أنه لم يكن يتوقع وصول الأمر إلى هذا الحد «هذا يعني أننا وصلنا إلى مراحل خطيرة لم يتوقعها أحد ولو من أكثر المتشائمين، ولكن للأسف ثبت هذا بالمقطع الذي رأيته، وعليه يجب أخذ موضوع الغلو والتنطع بكل جدية، ولا بد من اتخاذ الخطوات العملية العاجلة لحماية الدين والوطن من هذا الفكر الخطير». وحذر الغيث من تأثر الشباب بمثل هذه الدعوات غير المسؤولة، وقال: أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، ويوفق ولاة الأمر لاتخاذ القرارات الحاسمة ضد هؤلاء قبل استفحال الأمور.