حمائم الرحمة، تلك الأجنحة الطائرة في أطهر بقعة. تمثل معلما من معالم مكةالمكرمة أو بالأحرى معلما من معالم بيت الله الحرام. إنه حمام الحرم الذي تزينه الألوان التي تلتف حول عنقه، وكأنه وسم بطيف ملون إكراما من مكةالمكرمة لحمامها الوفي الذي وقع ميثاق عهد أن يكون بروازا لصورة بيت الله الحرام. يأبى حمام الحرم إلا أن يكون عاشقا ومعشوقا في الوقت ذاته. عاشقا لبيت الله الحرام، ومعشوقا من قبل أهل مكة وزوارها. هي قصة عشق لا تنتهي، بدأت منذ أن بنيت الكعبة المشرفة ولا زالت. وذكر السيوطي أن أصل حمام الحرم من الحمامتين اللتين عششتا على الغار أثناء هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فكان جزاؤهما أن يعيشا هما وذريتهما آمنين في الحرم. إذن، هو عشق أبدي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فهذه الحمائم لا تمثل إلا السلام والمحبة والحرية. ويمد حمام الحرم عشقه لأهل مكة بأن يستوطن نوافذ البيوت، يبني فيها أعشاشه لتكون له بيوتا. ولكن هنالك من الأهالي من يتأذى من وجوده حول منزله، وذلك لما يخلفه من فضلات وبقايا، فاضطر بعض أصحاب البيوت إلى وضع حبل طويل على امتداد البيت يربط بها علب غازات فارغة حتى إذا هبت ريح تصدر إزعاجا فيفزع الحمام ويطير. لكن الحمام لم يعد يأبه لذلك، فحتى لو قرعت تلك العلب فلن يطير، وهو ما حدا بالبعض إلى وضع شبك على النوافذ حتى يبعده نهائيا. ولكن الحمام لا يتوقف عن البحث عن مكان آمن يأوي إليه، فاختار أسطح البنايات وهذا أدى إلى معاناة أخرى لأصحاب المنازل. ولأن قتل حمام مكة محرم ويستوجب الفدية، يتفادى الأهالي التسبب بأي أذى للحمام ويكتفي البعض بطرد الحمام من أسطح المنازل التي كانت ملاذه من شتاء قارص وصيف حار.. وهنا يطالب بعض المهتمين من أهالي مكة بتخصيص مساكن للحمام المكي فوق الدور، وتكون منتشرة في أنحاء المدينة لتصبح بيته ومأواه، للمحافظة عليه وتجاوز المشكلات التي يسببها بتجواله العشوائي بين البيوت.