في معرض للمبتكرات العلمية، كان يقف أمام مبتكره «العلمي» يعرف به ويشرح فوائده كما جرت عليه العادة في مثل هذه المعارض العابرة، حيث أجدني مشدودا نحو هذه العقول الصغيرة عمرا الكبيرة عطاء وفكرا. وحرصت على عدم تفويت الفرصة للتعرف عليه وتشجيعه؛ لأن خالدا القابع أمام مبتكره اليوم يمثل جيلا من أبنائنا لا يلبث وميضه أن يخبو لاعتبارات عدة رغم أننا نعيش عصرا تقنيا تلعب الابتكارات فيه دورا محوريا، وكم نحن في حاجة للحفاظ على هذه النماذج الجميلة، ويظل السؤال يطل برأسه : كيف يمكن لنا هذا؟ يبدو تكثيف مثل هذه المعارض حلا معقولا، لكنه ليس كل شيء يمكن عمله. ولربما أنه من المهم أن يتم تكريس ثقافة الابتكار من خلال برامج تهدف لإثارة الخيال وتحفيز الذهن عبر وضع الطلاب أمام مشكلات بعينها؛ لأن هذه المحفزات تجعل الطالب يشحذ ذهنه ويندمج مع المشكلة فتأتي لحظات إلهام معينة بعد أن يتم إعمال العقل وإطراق التفكير في حلول المشكلة. وتظل من الأهمية بمكان إقامة ملتقيات للطلاب في المدارس ميدانها الابتكار، تعرض فيها نماذج لمبتكرات علمية حية يشرح الطلاب المبتكرون لزملائهم فوائد المبتكر ومراحل إنتاجه وعقد لقاءات مع الطلاب أصحاب هذه المبتكرات وعمل برنامج لهم يزورون من خلاله عدة مدارس يعرضون فيها مبتكراتهم يكسب المبتكر الكثير، فهو يكسبه شخصية المبتكر ويجعله يتعاطى مع الابتكار كحقيقة يعيشها ويسهم في التعريف بالخطوات العلمية للابتكار التي تكون عادة نواة لفكرة ما. نشر ثقافة الابتكار وشيوع ممارسات واعية عبر عرض الأفلام العلمية التي تختص بالمبتكرات وإيجاد موقع إلكتروني يعرض نماذج منها وطريقة إنتاجها ويعرف بالأسس العلمية التي يجب اتباعها خطوة في طريق طويل قد يصنع واقعا أفضل لهذه العقول، وجمع المبتكرات الطلابية على أقراص وتوزيعها على عموم الطلاب قد يكون حلا مجديا؛ لأنه يوسع من انتشار هذه الثقافة ويعمق ممارستها ويلفت النظر لأهمية هذا المجال وإيجاد ملتقيات للابتكار يشارك بها أكاديميون وأصحاب التجارب الناضجة سيسهم في نشر ثقافة الابتكار لأنه يكرس لثقافة الابتكار ويجعل المجتمع يتقبلها ويعايشها فتبدو للذهن أمرا ممكنا وسهلا، لأن من أكبر المعوقات حاليا من وجهة نظري التي تقف في طريق انتشار ثقافة الابتكار هو الصورة الذهنية السائدة والفكرة المترسخة حول الابتكار التي تراه أمرا في غاية الصعوبة، بل قد تراه مستحيلا، وأن الابتكار والاختراع هو فقط للعلماء والمفكرين والنخب مع أنه في حقيقته متاح لكل من أعمل عقله وشحذ فكره. شخصيا أرى أن الآلية المتبعة حاليا تعاني من كونها لا تحفز المواهب على أن يعيشوا أجواء معينة على الخلق والابتكار، فغالبا ما يأتي المعلم ويطالب الطلاب بإحضار مبتكر علمي دون تبسيط وإيضاح ودون عرض نماذج للمبتكرات وشحذ الذهن عبر وضعه أمام مشكلات حقيقية تسهم في تركيز الذهن نحو نقاط معينة تكون منطلقا لأفكار جديدة. إن إتاحة لمن تظهر عليهم بوادر الابتكار فرصة حضور معارض مختلفة للمبتكرات داخليا وخارجيا ستثري تجربة المبتكر وتدفع بها قدما، ويمكن مضاعفة الفائدة لو كانت الرحلات العلمية تتزامن مع إقامة بعض المعارض الشهيرة كمعارض جيتكس. وتبقى زيارة بعض المرافق العلمية مثل «سايتك» والقبب الفلكية ونحوها خطوات تعمل على إبقاء العقل في أجواء علمية ومرحلة مهمة نحو تأصيل ثقافة الابتكار وصناعة الشخصية العلمية. ناصر بن محمد العمري المخواة