صديقي .. أحب الصباحات في الغربة، أحب الفنادق أيضا، وأود لو أسكنها طوال حياتي، وعلاقتي مع الفنادق يحددها الماء، فالفنادق التي تعتمد في تجميل ذاتها على الماء تغويني، لأن صوت خرير الماء يدفعني للغبطة، هل تعلم أنه لا يمكن لك فهم نص الماء المسؤولة عن الحياة، ما لم تسمع خرير الماء؟ في المقهى كان على يميني أوروبي سبعيني وزوجته يشربان قهوة الصباح ويتبادلان حديثا بدا لي حميميا جدا، راودتني رغبة جامحة في معرفة ماذا يدور بينهما، ربما لأكتشف هل الشعوب المهمة لابد وأن تتبادل حديثا مهما؟. لا أخفيك أنني أود بشدة أن يكون حوارهما تافها، لأسباب لا أعرفها. تبددت رغبتي تلك بسبب النادلة الفلبينية، كانت تغير مواقع الكراسي حول الطاولة، فتضع هذا محل ذاك، ولم أفهم لماذا تفعل ذلك، مع كراسي بدت لي متشابهة؟. حين سألتها عن السبب، أجابت: ألم تلاحظ يا سيدي أن ألوانها مختلفة، فلأن يأتي الترتيب هكذا: أحمر ثم أصفر ثم أزرق، سيصبح أكثر اتساقا وجمالا. لم أعلق خوفا من أن تكتشف أني مصاب بعمى الألوان، فمنذ ولادتي لا أرى إلا الأبيض والأسود، أو هناك من علمني ألا أرى الحياة إلا بهذين اللونين. ومن هذين اللونين صنع عقلي، ولم يعد قادرا على فهم الحياة إلا من خلال هذه الثنائية «الملاك والشيطان»، وإن خلطت معهما أنانيتك، لن ترى نفسك خارج الخير / الملاك، ومن يختلف معك لا يمكن له أن يكون خيرا آخر. ألهذا يا صديقي الأفكار لدينا لا تتلاقح، وتتصادم لهذا يتشظى المجتمع وينقسم بين لونين؟. أرأيت فداحة ما الذي حدث لنا، إذ أصابونا بعمى الألوان منذ طفولتنا، لهذا لم نعد نرى غيرهما، ولنفس السبب لم نعد قادرين على ترتيب الأفكار في رؤوسنا لتتسق وتصبح أكثر جمالا؟. اليوم سأعيد «فرمتت» عقلي من جديد، وسأدخل باقي الألوان، لأن الحياة لا تطاق بلونين، فثمة أمور كثيرة خارج الأسود والأبيض، أولهم الإنسان المتعب والحزين الذي يئن من الألم وحيدا ولا أحد يريد سماعه ولا رؤيته، إذ يصبح المجتمع مصابا بعمى الألوان، فلا يرى إلا ملائكة لا تخطئ وشياطين لا تصيب. علينا يا صديقي أن نقاوم عمى الألوان، من أجلك من أجل الإنسان، علنا ننقذه من معركة الإبادة بين ملائكة وشياطين، فيشعر أنه حي ولو لمرة واحدة. التوقيع: صديقك [email protected] S_ [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة