كلمة مستوردة عجيبة غنية بالمعاني وأهمها الخسارة غير المبررة، وتتجلى في أقوى أدوارها في بعض الأحداث التاريخية التي استدعت تضحيات يصعب تصديقها .. نبدأها بواقعة غابة في بولندا اسمها «كاتين» على وزن «متين».. شهدت هذه الغابة مجزرة دموية وحشية من قوات الاتحاد السوفييتي عام 1940 في المراحل المبكرة من الحرب العالمية الثانية عندما كان الاتحاد صديقا للنازية، وعندما احتلت قواته أجزاء من بولندا .. وحرصت القوات السوفييتية على تجميع القيادات التي كانت من الممكن أن تشكل تهديدا لها .. أكثر من عشرين ألفا من ضباط، ومهندسين، وأطباء، ومدرسين، ورجال شرطة والعديد من الكوادر المهمة البولندية الأخرى .. تم إعدامهم في قبور جماعية ودفنهم في تلك الغابة .. ولم يتم اكتشاف المجزرة إلا بنهاية 1943 من قبل الحلفاء، ولكن يقال إن المخابرات البريطانية كانت حريصة على كتم الخبر لأن الاتحاد السوفييتي كان قد حول ولاءه آنذاك إلى جانب الحلفاء وضد النازية، شاملا بولندا، ولم تكن هناك رغبة في إثارة الموضوع تفاديا للخلاف بين الحلفاء بسبب «كاتين» .. بقى السر دفينا لفترة طويلة وبالرغم من إفشاء سر المجزرة خلال السنوات الأخيرة من الحرب، إلا أن السلطات السوفييتية استمرت في إنكار وقائع المجزرة إلى عام 1990 أي بعد خمسين سنة من الحدث.. وكانت أرواح ضحايا ذلك الحدث ثمنا للحفاظ على أسرار عسكرية أثناء الحرب، أي أنها كانت «استروبيا» مؤقتة إلى أن تم الإعلان عنها رسميا .. ويقال إن الرئيس الروسي «بوتين» قد قدم دعوة خلال الشهر الماضي لرئيس الوزراء البولندي «دونالد تصك» لزيارة الغابة والوقوف على الموقع خلال الشهر القادم لتعديل أوضاع الذكرى الأليمة. وهناك العديد من القصص العجيبة الأخرى والله أعلم عن صحتها .. ومنها قصة مدينة «كوفنتري» وهي تاسع أكبر مدينة في إنجلترا وتبعد عن لندن حوالي 150 كيلومترا في وسط البلاد وعدد سكانها الحالي هو حوالي ثلاث مائة ألف نسمة .. وهي مدينة ذات تاريخ عريق في العديد من المجالات ومنها صناعة السيارات وبالذات سيارات الأجرة اللندنية العجيبة الشكل التي لا تزال تنتج هناك إلى يومنا .. وخلال الحرب العالمية الثانية، تم اختيارها من قبل مخططي الحرب النازيين للضرب المبرح جوا خلال ليلة منتصف شهر نوفمبر 1940.. وقامت فعلا أكثر من ثلاث مائة قاذفة قنابل بإلقاء آلاف الأطنان من القنابل الحارقة على المدينة خلال فترة دامت لأكثر من عشر ساعات فتم تدمير ثلاثة أرباعها .. وبعدها وضعت وزارة «البروباجاندا» النازية كلمة جديدة وهي «الكوفنترية» «To Coventrate» ومعناها تدمير الشيء إلى أبعد الحدود .. «شنيرة» ولا مؤاخذة .. والشاهد أن هناك نظرية مؤامرة ضد تلك المدينة من قبل القيادية الحربية الإنجليزية التي اعترضت إشارات نازية تفيد بأن المدينة كانت ستكون الضحية قبل الغارة بفترة قصيرة، ولكنها قررت أن لا تبدأ بإخلائها لئلا يتم إفشاء السر أن الحلفاء استطاعوا أن يفكوا شيفرة الحرب النازية السرية وأصبحت أجزاء من مدينة «كوفنتري» استروبيا بسبب الحفاظ على ذلك السر. أمنية يا ترى ما هي نسبة الوقت والجهد الضائع في العالمين الإسلامي والعربي اليوم وكل يوم .. ما هي نسبة حياتنا التي ستكون استروبيا في الطوابير والازدحام والإهمال .. أتمنى أن نفلح في تقليص آثارها على حياتنا وحياة الأجيال القادمة .. وهناك ما هو أهم من ذلك، فأتمنى أن لا تذهب القدس أو سنتيمتر مربع واحد من فلسطين «استروبيا» بسبب ما نفعل .. أو ما لا نفعل. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة