عندما رن الهاتف صباح ال 13 من ربيع الأول، كنت أدري أن من يتصل في هذا الوقت كل صباح تقريبا الزميل فهيم الحامد ليستفسر عن الموضوعات التي سنرسلها للصحيفة، غير أن نبرة الصوت كانت مختلفة هذه المرة، فلم يسألني عن العمل، وقال لي بصوت ينم عن شيء غير عادي: أريد أن أبلغك خبرا سيئا هذا الصباح، فقلت له «لعله خير»، لكنه أتبع دون انتظار الجواب مني، لقد توفي هذا الصباح الزميل والصديق نبيل عزمي اللبابيدي، لم أستطع أن أتمالك نفسي واجهشت بالبكاء، ولم أستطع أن أكمل المكالمة لأسأل عن سبب الموت المفاجئ .. لقد كنت أهم أن أكتب له آخر رسالة على بريده الإلكتروني هذا الصباح مرفقة بالمواد التي أعددتها للنشر في الصحيفة غدا، وكانت آخر رسائله يوم الخميس، وآخر مرة سمعت صوته عبر الهاتف يوم الاثنين الماضي، لكن نبيل بصوته وصورته لن يغيب عنا أبدا. أعرف يا نبيل كم كنت تحب فلسطين، وكم كنت تتمنى أن تتكحل عينك برؤية أرض فلسطين قبل أن ترحل إلى العالم الآخر، كنت تتمني أن تموت شهيدا على أرض فلسطين وأن تدفن فيها، أذكر قلقك علينا خلال الحرب الأخيرة على غزة وكم كنت تتمنى أن تكون بيننا، كانت رسائلك لا تنقطع عنا يوميا مرة أو مرتين، وكنت تتمنى أن تحادثنا هاتفيا لتسمع صوتنا، لكن خطوط الهاتف كما خطوط الكهرباء أحرقتها قنابل العدو، وكان البريد الإلكتروني الشريان الوحيد الذي يصلنا بكم، وها هو ينقطع هذا الشريان بيننا وبينك يا نبيل. كنت تحلم بيافا كما كنت تحلم بغزة، فيافا الجميلة عروس البحر الفلسطيني مسقط رأس أبيك، وغزة الجريحة موطن اللجوء من يافا، وأنت لم تر يافا ولا غزة، ولكنهما تعيشان بداخلك، وكل فلسطين من نهرها إلى بحرها كانت حلمك الأبدي. واليوم وأنت تكتب «سفر الرحلة» الأخير، أقول لك يا صديقي وأخي: إن برتقال يافا وبحر غزة ما زالا بانتظارك، فإن لم تعد أنت فإن عزمي الصغير وأشقاءه سيعودون، وأن الحلم سيتحقق يوما، وإن لم يكن لك فليكن لأبنائك من بعدك. نفتقدك اليوم يانبيل بعد أن عرفتك عبر الهاتف والفاكس قبل 20 عاما في الجزائر حين بدأت العمل في صحيفة عكاظ بيتك الثاني بعد أن عملت بها أنت نحو ربع قرن، نفتقدك ويفتقدك كل الزملاء في «عكاظ» وأنت تملأ الصحيفة ضجيجا وتنشر ابتسامتك البهية هنا وهناك. كم كنت كريما ومحبا لأهلك في فلسطين حين كنت تقتطع من قوت أولادك في جدة لترسل لنا ما تيسر لك من فائض الأموال كي نوزعها على فقراء غزة الذين يدعون لك بالرحمة والغفران جزاء ما قدمت لهم في أيام عسيرة. لازلت أذكر بمزيد من الفخر نبلك معي أنا وزوجتي ردينة زميلتك في «عكاظ» التي بكتك هذا الصباح الحزين أيضا عندما أعلنت لك نيتي أداء مناسك الحج، إذ فقدت القدرة على التعبير عن سعادتك بلقائنا الذي شاءت قدرة الله أن لا يتم في الدنيا. رحمك الله يا أبا عزمي وجعل الجنة مثواك والصبر والسلوان لوالدك الطيب ولزوجتك الصبور ولأطفالك الصغار وكذلك لنا جميعا ولزملائك في «عكاظ». وإنا لله وإنا إليه راجعون عبد القادر فارس فلسطين