نفهم أن المرء حين يقبل على مضض دعوة إلى العشاء يعد ذلك من قبيل المجاملة .. ونتفهم أنه حين يبتسم أحدهم بوجه شخص يستثقل (طينته) فذلك أيضا من ضروب المجاملة الشخصية .. واستطرادا نتفهم أن يصفح أحدهم عن شخص ما أساء له فذلك شأنه بحسبانه حق شخصي. ونلاحظ في الأمثلة أعلاه أن المجاملة لم تتعد كونها سلوكا سخصيا (وحق خاص) لا يضير الآخرين، وإن كانت هناك ثمة تبعات، فهي تعود على الشخص نفسه. ما أريد الإشارة إليه أن المجاملة بقدرة قادر أخذت تتضخم وتتسع، وأضحت (مطاطية)، فكثيرا ما ترتكب الأخطاء، وربما الخطايا، ويتم القفز على الأنظمة والقوانين باسم المجاملة، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، بل أصبحت المجاملة الشماعة التي يعلق عليها بعضهم إهماله وتقصيره .. وإن شئنا تجاوزاته. فما يجب أن نعرفه جميعا ونعمل بمقتضاه أن للمجاملة إطارها الشخصي الخاص الذي لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه أو قل (تحويره)، وأهمها التزام واجبات العمل والتقيد بالأنظمة المعمول بها، وبالمجمل عدم الإضرار بمصالح المجتمع، ومن ثم أي خروج عن هذا الإطار يعد تجاوزا لضوابط المجتمع ومعاييره. ومن أجل الإيضاح من المفيد أن نسوق بعض الممارسات أو المجاملات كما يحلو للبعض تسميتها على افتراض أنها تحصل، بل حصلت بالفعل .. ومع ذلك نقول على فرض أن موظف الجمارك أثناء تأديته لعمله صادف زميلا له في المهنة، أو حتى صديقا أو قريبا قادما من السفر، ومن قبيل المجاملة لم يفتشه .. فمن غير المستبعد أن يكون من بين أغراضه ما هو محظور .. من هنا يمكن القول: إن مجاملة الموظف أمست غطاء يمرر الممنوعات. ومثال آخر للمجاملة المرفوضة حين يصفح رجل المرور عن صديق أو قريب، تعمد قطع الإشارة؛ ولأن المخالف لم يأخذ الجزاء الرادع فقد يكرر ذلك، بل يقينا سيفعل وتكون النتيجة حادثا مروعا يروح ضحيته الأبرياء. ومن صور المجاملة أخيرا وليس آخرا عندما يلاحظ مراقب البلدية بعض المخالفات الصحية في أحد المطاعم، أو المحال ذات العلاقة بالصحة العامة ويعصب عينيه عنها لمجرد أنه علم أن المطعم لأحد المقربين إليه، ومن تداعيات ذلك أن صاحب المطعم قد يتمادى في مخالفاته، وقد يصل الأمر إلى حدوث حالات تسمم. وهناك الكثير من السلوكيات المغلوطة لا يمكن حصرها تمارس تحت ستار المجاملة .. فأي عقل، وأي منطق يقبل أو يسوغ لمثل هذه التصرفات التي يستفيد منها شخص (هذا إذا اعتبرنا جدلا بأن التجاوزات تعود بالفائدة لمرتكبيها)، وتتسبب في إضرار الآخرين، وربما المجتمع بأسره؟! وبجانب ما تقدم يمكن القول: إن هناك ويا للأسف الشديد من يستغل الطرف الآخر أي المجامل شر استغلال لتحقيق مصالحه الشخصية، أو إشباع نوازعه المريضة، أما عن مصير الذي جامله أو تبعات ذلك السلوك على المجتمع فهي آخر اهتماماته، وقد يكون مهما التذكير في هذا الوارد أن ما قام به كل من موظف الجمارك، ورجل المرور، ومراقب البلدية ومن على شاكلتهم يعد مشاركة فعلية في كل ما يحدث جراء المخالفات والتجاوزات. فيكفي أنهم تهاونوا بواجبات عملهم ويقينا أن تلك المخالفات ماكانت لتحدث أو تتكرر إن أردنا الدقة لولا ذلك التواطؤ أو ما يسمونه بالمجاملة. قد يقول قائل: إن تفتيش زميل، أو تحرير مخالفة لصديق أو قريب يسبب حرجا، وربما العتب وقد يصل الأمر إلى القطيعة، وأقول: إن ذلك التبرير العقيم والعدمي فيه ما فيه من السذاجة بل الرعونة، إذا جاز الوصف فالشيء المؤكد أن الشخص الذي لا يثمن واجبات العمل ومسؤولياته لا يستحق أصلا أن يطلق عليه صديق أو حتى زميل هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وهي الأهم، فإن التزام واجبات العمل ومقتضياته، وما يستتبعها من درء الأضرار والمفاسد عن المجتمع، وصيانة مصالحه ومقدراته من العبث لا يوازيها عتاب قريب أو تدانيها قطيعة صديق. يبقى أن نقول: يجب علينا عقلنة أفعالنا وسلوكنا. وألا نسمي الأشياء بغير مسمياتها، نزولا إلى رغباتنا وأهوائنا حتى لا تقودنا تصرفاتنا إلى مالا تحمد عقباه. وما يدريك أيها (المجامل) قد تقع يوما ضحية لهذا السلوك ولك أن تتخيل وقع ذلك وضرره عليك أو على أبنائك .. لا مناص من التصدي لهذا السلوك بحزم وبكل الطرائق والتدابير الكفيلة بدحره فيكفينا علما أنه تجاوز للحق العام. وبهذا المعنى فهو لا يقل خطورة بل لنقل جرما عن هدر المال العام بشتى صوره وتضاعيفه وعلى قاعدة ما تقدم يصبح الجميع معنيين لا بل ملزمين باجتثاثه بوصفه تعديا على حقوق الجميع. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة