تحدث خادم الحرمين الشريفين حفظه الله أمام مجلس الشورى ذات مرة بأنه (سيضرب بسيف العدل هامة الظلم) الأمر الذي أفضى لإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره وتحصين المجتمع السعودي ضد داء التجاوز والذي استقبل في حينه بترحاب شعبي ورسمي. وهو لا ريب استجابة طبيعية ومتوقعة تجاه قرار غايته وهدفه الأسمى استئصال شأفة التجاوز ودحر المتجاوزين .. وعودة للقرار النابع من إحساسه ويقينه حفظه الله بأن التجاوز بمختلف ألوانه وأقنعته آفة ذات أنياب ومخالب تنخر في الجسد المجتمعي وتصيبه في مقتل .. جاءت جائحة جدة وحصدت من حصدت واقتضى الأمر ملاحقة التجاوزات بلا هوادة ولا مناص من دحرها وتقطيع أواصرها كي لا تستفحل وترتع فتعيث في مفاصل المجتمع. فمن شأنها إذا ما تركت تستشري وتعشش في المجتمع، أن تجهض عزائم وإرادة الشعوب وتحط من تفكيرهم وربما تعمي بصائرهم، مما يجعل الأبواب والنوافذ مشرعة لهبوب ملوثات ومفاسد متنوعة وتفريخ مظاهر وسلوكيات (مسرطنة) قد تجهز على نسق البنية المجتمعية والتي تشكل في مجملها قوام المجتمع وعماده. وفي الإطار جدير بالذكر أنه كلما كان الأفراد متفقين ومتحدين على درء التجاوز وعن قناعة يقينية بأنه عدو مشترك ولا فكاك من محاربته والفتك به كان الجسد المجتمعي محصنا وأكثر قوة ومنعة، وبكلمة أوضح يتعين على الجميع المبادرة وعدم التردد في الإبلاغ عن أي موظف أو مسؤول قصر أو تقاعس في تأدية واجبه أنى كان موقعه وأيا كان شخصه، فما حصل في جده قد يحصل في أية بقعة من بقاع المملكة فليس من استقامة التفكير أن يتريث المواطن ريثما يطاله الضرر من هذا الموظف أو ذاك المسؤول كي يسارع بالإبلاغ فما يجب أن نعرفه جميعا ويقينا أن ما طال ذاك المواطن من ضرر اليوم قد يطالك ويطالني غدا أو بعد حين وما طال مدينة جدة قد يطال أية مدينة أو قرية بصورة أو أخرى وربما بشكل أكثر ضررا، وهو لا يفرق ولا يستثني فالجميع معرضون له. بمقتضاه الجميع بلا استثناء معنيون بالتصدي له واجتثاثه .. وبالتوازي وبالقدر ذاته علينا مناصرة النزاهة وتعزيزها والعمل على تكريسها .. ليس جديدا القول إن السواد الأعظم يمقتون التجاوز والمتجاوزين. وهذه حقيقة ليست خافية على المتجاوزين أنفسهم فأنوفهم تزكم وتتقيح من انبعاث رائحة الازدراء والسخط تجاهم، دعك من نظرات الريبة والتوجس التي ترمقهم بوصفهم منبوذين حتى من أقرب المقربين إليهم وإن لم يصرحوا بذلك علانية. وفي السياق تجدر الإشارة ودون أدنى مبالغة إلى أن المتجاوزين يكرهون ولنقل (يقرفوا) من بعضهم بعضا. المحزن والباعث على الاستغراب أن هؤلاء أي المتجاوزين خصوصا الذين تمرغوا بوحله الآسن تبلدوا حسيا، فلم تعد نظرات الاستياء تخجلهم أو تحسسهم بالخيبة، ولا عبارات المقت والتندر التي تخترق مسامعهم بين الفينة والفينة قادرة على أن تغير من مسار توجههم أو حتى تشعرهم بشيء من الندم والخذلان على ما اقترفوه بحق مجتمعهم فهم يتوارون بالتناسي والتعامي حينا وبالتظاهر بعدم المبالاة والمكابرة وربما الإمعان بالغي والتجاوز حينا آخر. المحزن والمؤلم أنه رغم الأضرار الفادحة في الأرواح والممتلكات التي أصابت جدة جراء السيول يأتي من يمعن في آلامنا وأحزاننا لا بل ويعض على جروحنا بتصريحات أقل ما يقال عنها أوهام وترهات لا تنقذ حاضرا ولا تستشرف علاجا كتصريح مدير عام إدارة الطرق في أمانة جدة المهندس فيصل شاولي في «عكاظ» الذي اعتبر الضرر الكبير (الذي قض مضاجع سكان جدة بل والمملكة قاطبة) أمرا طبيعيا قياسا بكمية الأمطار ..! تكمن خطورة مثل تلك التصريحات والتبريرات باستسهال التملص والانعتاق من المسؤولية فتصبح الطبيعة والغيبيات وربما غيرهما من مبررات عقيمة (الإيقونة) المناسبة والسهلة لتحميل أسباب الفشل والتقصير بكل أشكاله وترانيمه. نختم بالقول نتمنى السداد للجنة تقصي الحقائق برئاسة الأمير خالد الفيصل المشهود له بالحسم والصرامو لأداء واجبها، ولله الأمر من قبل ومن بعد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 229 مسافة ثم الرسالة