لم يتوقع طفل الثانية عشرة الطالب في الصف الأول متوسط في جدة ماجد الحيدر عندما حمل جهاز «اللاب توب» الذي أهداه له والده كهدية في مناسبة نجاحه إلى أقرب محل للأجهزة الإلكترونية لصيانته، أن يكتشف مهندس الحاسوب، تصفحه ومروره على بعض المواقع التي لا تناسب من في مثل عمره، بل واحتفاظه أيضا في ظل غياب المراقبة الأبوية، ببعض المقاطع والصور التي تخدش الحياء، ولكن هذا ما حدث عندما كشف مهندس الصيانة والمستور. قبل الخوض في مسارات هذه الإشكالية، والدخول في الآراء من جميع الأطراف، كان لابد من الوقوف على هذه التساؤلات: كيف يتسنى للآباء تأمين أجهزة حاسوبية وخدمة تصفح «الإنترنت» لأبنائهم ومراقبتهم. كيف يمكن متابعتهم؟ وهل يعتبر تدخل الوالدين، اختراقا للخصوصية أم المتابعة مطلوبة؟ في مركز بيع وصيانة أجهزة الحاسوب في جدة، يؤكد فني صيانة حاسب آلي عبد الله عزيز «دائما ما أتولى صيانة أجهزة يحضرها أولياء أمور لصغار في السن ممن هم في سن المراهقة، ودائما ألاحظ عدم اهتمام كثير من الآباء بما تحتويه أجهزة أبنائهم، ولا يكلفون أنفسهم بتصفح تلك الأجهزة لمعرفة ما بداخلها، لاكتشف أنها تحوي صورا ومقاطع لا أخلاقية، أو اكتشف دخولهم إلى مواقع غير سوية، وحين أجد مثل هذه الأشياء، أتأكد على الفور أن هذا الطفل لا يحظى بالمراقبة الأبوية». ويضح عزيز: «من خلال خبرتي في هذا المجال، اكتشفت أيضا عدم اهتمام الآباء ببرامج المراقبة والمتابعة رغم أنها مفيدة جدا، ويستطيع من خلالها ولي الأمر أن يحدد المواقع التي حاول ابنه الدخول إليها، ومعرفة نشاطه بشكل شبه كامل خلال الساعات التي قضاها ابنه على جهاز الحاسب الآلي، كما أن الأب يستطيع أن يحدد من خلال تلك البرامج المواقع التي لا يرغب أن يدخل إليها ابنه، أو أي مستخدم آخر مازال في سن مبكرة، ويعود ذلك إلى عدم الاهتمام بتلك البرامج، أو للثقة المفرطة التي يوليها الأب لابنه، أو لعدم معرفته باستخدام الحاسب وتلك البرامج». مغايرة وارتباك في شهادة أخرى لهذا العبث الطفولي بأجهزة «الكمبيوتر»، يعزز سالم العيدروس فني صيانة «حين يأتي إلى المحل طفل أو شاب في سن المراهقة بصحبة والده أو والدته، لإصلاح جهازه، استطيع أن أعرف مباشرة ما إذا كان ذلك الشاب يخفي شيئا لا يريد أن يطلع عليه أحد، أو أن الأمر بالنسبة له عادي، ولا حرج من تصفح ملفاته على الجهاز، ويكون ذلك واضحا من ملامح وجهه وارتباكه»، ويتابع في سياق حديثه: دائما أحاول إقناع ولي الأمر إذا لاحظت شيئا مريبا، أن يعتمد على برامج المراقبة الأبوية الجديدة والمتطورة، وذلك بطريقة غير مباشرة حتى لا يساوره الشك في ابنه، وفي حالات نادرة جدا، أجد من يتفاعل ويهتم ويسأل عن كيفية استخدام تلك البرامج، إلا أن أكثر ما يصيبني بالأسى هو عدم اهتمام البعض منهم بذلك، ورغم إبداء عدم رغبتهم في التعرف على دور برامج المراقبة، إلا أنني دائما أؤكد عليهم ضرورة استخدامها». تصفية المواقع حسين المرواني صاحب معرض لبيع أجهزة حاسبات، ينصح أولياء الأمور بالاشتراك في الشبكات التي تساعد على تصفية المواقع وحجب السيئ منها، ووضع جهاز الحاسب الآلي في مكان مكشوف يراه أهل البيت ولا يكون في غرفة خاصة، وأن يجلس الأب مع ابنه ويتصفحا معا المواقع بحثا عن معلومة أو غير ذلك، حتى وإن كان ذلك بصفة أسبوعية على أقل تقدير، بحيث يشعر الأبناء أن الجهاز تحت ملاحظة الأهل بطريقة غير مباشرة، ولا ننسى أهمية التوعية بإخطار الشبكة وتحفيز الأبناء للاستفادة منها مع الحذر من أضرارها، ومن أهم البرامج التي تلهيهم عن اللعب واللهو هو إشغالهم ببحوث نافعة. التحصين المبكر يشير أحمد عبد الرحمن الزهراني أب لثلاثة أبناء، إلى أن هناك فرقا بين المراقبة والمتابعة، واعتقد أنه إذا حصن الطفل من البداية تكون متابعته في الكبر أسهل بكثير، بينما إذا ترك الطفل من الصغر بدون متابعة فمن الصعب توجيهه، وجميعنا يعلم بأن «الإنترنت والجوال» والقنوات الفضائية، قد تغير سلوك الشاب أو الشابة، لكن التحصين المسبق والمتابعة الدورية والمداومة على السلوكيات السليمة التي لا تخدش مجتمعنا وديننا ستؤثر تأثير إيجابيا في تصرفاتهم وتفكيرهم وسلوكهم. إرشاد ومراقبة ويؤكد عاصم البلوي ولي أمر أربعة أبناء أن للوالدين الحق الكامل في مراقبة الأبناء، ويستدرك قائلا: إلا أننا لا نريد أن يستعمل الوالدان هذا الحق بطريقة تعسفية، بل بطريقة علمية وتربوية لأن الأبناء قد يكونوا في سن مراهقة، وهذه السن لها خطورتها من ناحية فهم تعليمات وإرشادات الوالدين، على أنها أوامر مزعجة بالنسبة لهم، فيجب أن تكون تلك الإرشادات بطريقة تحافظ على شخصيتهم مع منحهم جزءا من الحرية وعدم استعمال الشدة وذلك مع مراقبتهم أيضا. حق مشروع ومن ناحيته يؤكد الشاب عبد الله الحوسني (24 عاما) على ضرورة متابعة أجهزة الأبناء من قبل الآباء واستشهد قائلا: أعرف كثيرا من الشباب، يملكون أجهزة «كمبيوتر» شخصية ، ولكن الملاحظ أن الشباب الذين يحظون بمراقبة ومتابعة من أولياء أمورهم، دائما ما يسعون بقدر المستطاع للاستفادة من استخدام تلك الأجهزة، والعكس يحدث مع الشباب الذين يفتقدون مراقبة الأسرة، وهذا دليل على أهمية مراقبة الأبناء مع إعطائهم فسحة من الثقة. سلوكيات الأبناء يلفت كل من مصطفى ومراد أحمد (طلاب في الجامعة)، إلى ضرورة توجيه سلوكيات الأبناء وتصرفاتهم من الصغر، وإعطائهم الثقة، والاستفادة من البرامج الرقابية الجديدة، التي تساعد على تحديد مسار المستخدمين صغار السن، إلا أن كثيرا من الآباء يتجاهلون مثل هذه الأمور المهمة، مطالبين بإعطاء أبنائهم الوقت الكافي واللازم الذي يحتاجونه. يتصفحون بمفردهم أظهر بحث أعدته مؤسسة «ماكفي McAfee» لأمن المعلومات صدر في أواخر 2009 أن أربعة من كل خمسة من الآباء، الذين يستخدمون برامج للتحكم في تصفح أطفالهم لشبكة «الإنترنت»، لا يشغلون البرنامج بالرغم من شعورهم بالقلق من سلامة أطفالهم عبر الشبكة، وكشف أن 52 في المائة من الآباء اعترفوا أنهم لم يغيروا إعدادات الأمان في برنامج التحكم الذي يستخدمونه للمراقبة والتحكم في استخدام أبنائهم للشبكة، بينما أفاد 20 في المائة أنهم غير متأكدين من مستوى الأمان، أما حوالى ثلثي الآباء فقد أفادوا أنهم لم يتطرقوا مع أبنائهم لموضوع الأمان والسلامة عند تصفح الشبكة. وأشار البحث أيضا إلى أن أقل من نصف الآباء قد ذكروا أنهم يراقبون أنشطة أبنائهم على شبكة الإنترنت، لكن 30 في المائة منهم قالوا إنهم يتركون أبناءهم بمفردهم في غرف نومهم وهم يتصفحون الإنترنت، وأن 26 في المائة من الأطفال الذين تبلغ أعمارهم بين خمسة وستة أعوام لديهم جهاز كمبيوتر في غرفهم، وأن 17 في المائة منهم يسمح لهم بتصفح الإنترنت، وذكر 46 في المائة من الآباء أنهم لا يعرفون ما إن كان أطفالهم لديهم معلومات شخصية على شبكات اجتماعية مثل موقع «فيس بوك Facebook» أم لا؟!.