منال الحميدان من جدة * الشرق الأوسط اللندنية «التقنية الحديثة سلاح ذو حدين، يمكن أن يسهل حياة البعض، أو أن يجعلها أصعب»، ربما تكون هذه العبارة البديهية وصفا مناسبا لإشكالات لا حصر لها، تسبب فيها استغلال بعض الشركات العاملة في مجال تقنية الحاسب في السوق السعودية لهوس البعض في المراقبة، وذلك في خطوة جديدة لتسويق برامج تجسس مبسطة يمكن استخدامها بسهولة. وكانت قد بدأت تجتاج السوق السعودية مؤخرا حملات إعلانية ملحوظة عن برامج خاصة بالتجسس بميزات مختلفة حسب الطلب، إلا أن اللافت هو توجه هذه الشركات لاستهداف السيدات من خلال خططها التسويقية، بعد أن كانت تسعى لإثارة اهتمام المديرين والآباء، وبشكل محدود وخجول في السابق يتوافق تماما مع سرية وظيفة البرامج المسوقة. وعلى الرغم من أن الإعلان الرسمي المعتمد من خلال موقع إحدى الشركات، التي تبيع أحد برامج التجسس على الإنترنت، يقول صراحة أن عملاءها المستهدفين هم الشركات والمؤسسات والأفراد، ويحدد الاستخدامات الأكثر شيوعا للبرنامج على أنها مراقبة الأب لابنائه المراهقين، ومراقبة المدير للموظفين، إلا أن الشركة ذاتها تقوم بنشر رسائل إعلانية موجهة للسيدات فقط، عبر مواقع الشبكات الاجتماعية والمنتديات على الإنترنت، تقترح مباشرة على الزوجات والسيدات استخدام البرنامج لمراقبة الأزواج، وتستخدم عبارات صريحة من قبيل «راقبي حاسب زوجك واحصلي على ملخص لكل محادثاته عبر الإيميل الخاص، وعبر المسنجر واحصلي على كلمات المرور للبريد الإلكتروني وبقية تطبيقات الإنترنت». من جانبه، قال بدر عبد العزيز (26 عاما)، مدير الموقع الإلكتروني لمؤسسة جبال الألب التجارية، المتخصصة في تطوير مواقع الانترنت وبيع برامج الكمبيوتر، إن مؤسسته تتلقى طلبات كثيرة معظمها من السيدات، وبنسبة تكاد تبلغ 90 في المائة، من الطلبات، وتحتل جدة الصدارة بالنسبة لعملائها، تليها المنطقة الشرقية، وفي الوقت نفسه يشير عبد العزيز إلى أن انتعاش مبيعات أجهزة الحاسب المحمولة في السعودية مؤخرا ساهم في تنشيط مبيعات المؤسسة من برنامج التجسس. وأضاف، أن ثمن البرنامج يبلغ 1000 ريال سعودي، ويتم إرساله عبر الإيميل الخاص بالعميل، مرفقا بكود تشغيل البرنامج وطريقة تنصيبه في الجهاز، بعد أن يودع المبلغ في حساب الشركة البنكي، وتقضي طريقة تثبيت البرنامج الخفي، الذي لا يكتشفه حتى صاحب الجهاز نفسه بحسب عبد العزيز بإنزال البرنامج وتشغيله بواسطة كود سري، ليختفي بعدها تماما، وبعد أن يكون المستفيد قد أدخل بريده الإلكتروني الشخصي لتصله ملخصات يومية بكل التطبيقات الكتابية، التي أجريت بواسطة الجهاز، ومن ضمنها المراسلات الإلكترونية بكافة أنواعها، مع أوقاتها والجهات التي أرسلت إليها، أو يتم حفظها ببساطة على الجهاز نفسه داخل ملف خاص بواضعها ومحمي من الدخول إلا بواسطته. ومن مميزات البرنامج، الذي تسوق له الشركة، إمكانية إخفائه تماما بالكمبيوتر، وعدم إمكانية كشفه أو حذفه إلا من خلال الشخص الذي قام بتثبيته في الأساس، إلى جانب كشفه عن جميع كلمات السر، التي يتطلبها الدخول إلى أي موقع أو تطبيق إلكتروني، وسهولة تنزيله، حيث إن العملية لا تستغرق أكثر من 3 دقائق، إلى جانب صغر حجمه وقائمة طويلة جدا بالمميزات. ويعترف، عبد العزيز، بأن ثمن البرنامج مبالغ فيه، خاصة أنه لا يتيح ميزات كثيرة للتجسس، كتلك التي تتيحها برامج أخرى، يمكن أن ترسل نسخا صوتية من المحادثات التي تتم عبر الجهاز، بالإضافة إلى نسخ عن الصور، التي يتم استعراضها بواسطته لإيميل العميل. ويبرر الثمن المرتفع للبرنامج بقوله: «الثمن المرتفع هو جزء من سياستنا في حساب الضرر، الذي يمكن أن تتسبب فيه مثل هذه البرامج ومسؤوليتنا الأدبية تجاه عملائنا، إذ ندرك تماما أنه كأي أداة أخرى يمكن أن يساء استخدامه». ويتابع «لهذا عمدنا إلى خفض المزايا المقدمة وحذف إمكانية التجسس على الملفات الصوتية والصور، على اعتبار أنها يمكن أن تشكل دليل إدانة، في حين أن الملفات الأخرى المقروءة والبريد الإلكتروني لا يعدان كذلك، على الرغم من الضرر الذي يمكن أن تتسبب فيه في حال توفير المعلومة السرية للشخص الخطأ، وضمن سياستنا في حساب الضرر تعمدنا رفع سعر نسخة البرنامج؛ حتى لا تصبح سهلة المنال أو يمكن لأي شخص كان شراءها واستخدامها، مع أن طرح مثل هذا البرنامج بسعر أقل يمكن أن يزيد من المبيعات والأرباح بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة». ويضيف «الكثير من الأهالي أصبحوا يستصعبون مراقبة استخدام أطفالهم لشبكة الإنترنت، التي لم يعد من الممكن منعها في المنزل، بعد أن أصبحت طريقة مهمة من طرق الاتصال والتعلم، وفي الوقت نفسه فإن معدل امتلاك كل طفل لحاسب خاص به لدى الأسر السعودية المتوسطة ارتفع كثيرا في الآونة الأخيرة، وبالتالي فإن استخدام برنامج مثل البرنامج الذي نسوق له أصبح أمرا ضروريا للأهالي لمراقبة أبنائهم، والتأكد من عدم استخدام اتصالهم بالإنترنت بشكل خاطئ، أو قد ينطوي على قدر من الخطورة». أما بالنسبة لقانونية بيع مثل هذا البرنامج والتصريح من الجهات المعنية، يقول عبد العزيز: «لا توجد حاجة إلى استصدار تصريح، الشركة مرخصة ولديها سجل تجاري يخولها العمل في مجال تطوير مواقع الإنترنت وبيع برامج الحاسب الآلي، والبرنامج الذي نسوق له هو أحدها ببساطة، إلى جانب أنه يمكن شراء البرنامج عن طريق شبكة الانترنت ببساطة ايضا». جدير بالذكر أن الاتصالات التي تتلقاها الشركة لم تتوقف عند حد طلب البرنامج للاستفادة منه في المراقبة سواء كانت مراقبة الأزواج أو الأبناء، كما يقول عبد العزيز الذي يؤكد بأن اتصالات كثيرة وردت أيضا من سيدات، إما لإبداء الاستياء من طرح مثل هذا البرنامج، أو طلب إيضاحات تتعلق بكيفية الكشف عن وجود برامج شبيهة في أجهزة الحاسب الآلي، وهنا يضطر الشخص الذي يجيب على الاتصال إلى شرح أن الجهاز لا يمكن أن ينصب عليه برنامج للتجسس إلا من خلال شخص يمكنه ببساطة الوجود حول الجهاز واستخدامه، وغالبا ما ينطبق ذلك على الزوجة أو الزوج أو أحد أفراد العائلة المقربين. وربما لإحساسهم بعدم شرعية ما يقومون به، وانعدام المبرر المقنع للتجسس يخشى معظم ممارسوه الاعتراف بأنهم يلجأون إلى هذه الطريقة في اكتشاف أمور في طي الغيب، قد يكون من الحكمة عدم اكتشافها، إلا أن ياسر همام (37 عاما) لا يخجل كثيرا من الاعتراف بأنه لجأ إلى أحد هذه البرامج مستخدما إياه بطريقة غير اعتيادية على الإطلاق، حينما ثبت البرنامج على جهاز مديره في العمل، وهو الأمر الذي كان يتفاخر به أمام مجموعة قليلة من زملائه في العمل، ولم يصل أبدا إلى أسماع رئيسه. ويقول همام «ربما تكون الطريقة خاطئة من وجهة نظر الكثيرين، إلا أن لي مبرراتي وأهدافي، وما عرفته من خلال هذا البرنامج جعلني أسارع إلى الانتقال إلى إدارة أخرى؛ لأنجو من ظروف صعبة عاشها زملاء آخرون، وكنت لأمر بها أيضا لو لم أكن أكثر ذكاء واطلاعا منهم بما يدور خلف الكواليس، وعبر البريد الإلكتروني الخاص برئيسي». زهراء يماني، مشرفة اجتماعية بمركز النور للاستشارات النفسية والاجتماعية، أكدت من جانبها على أن أسلوب التجسس في معرفة تحركات وأفكار الزوج أو الزوجة أو أي شخص كان هو أسلوب خاطئ، ينم عن خلل نفسي في شخصية صاحبه. وأضافت «القلق والشك اللذين ينتابان بعض الزوجات لمعرفة تفاصيل أكثر عن حياة أزواجهن اليومية يمكن أن يكونا مبررين أحيانا ومفهومين في أحيان كثيرة، لكن أن يصل الأمر إلى مرحلة التجسس، فهو تطور غير طبيعي ويشير إلى مشكلات نفسية عميقة، وغالبا ما يشير إلى شخص «مضطرب نفسيا»، إلى جانب أن التواصل والتحاول هو الطريقة الوحيدة المناسبة للتعامل مع حالات الشك والقلق، إلى جانب أن التجسس والوقوف على الأمور بهذه الطريقة أمر غير مجد في حل المشكلات الزوجية أو العائلية». وأكدت يماني بأن الأمر نفسه ينطبق على حالة الأهالي، الذين يتجسسون على أبنائهم، وقالت: «قد يكون القلق والخوف على الأبناء دافعين لبعض الأهالي لاستخدام هذه الطريقة في مراقبة أبنائهم، إلا أنها طريقة غير صحية وغير مجدية، وعادة ما يكون الأهالي من هذا النوع ميالين إلى المبالغة في حماية أبنائهم، والإفراط في الحماية يتسبب في ضرر نفسي غير مباشر على الأبناء، فالرقابة مطلوبة لكن بشكل معقول وشرعي، وذلك لإتاحة الطريق لنمو شخصية الابن بطريقة سليمة ومتوازنة». وحول مدى انتشار مثل هذه البرامج والشروع في إطلاق وصف «الظاهرة» على استخدامها من عدمه، قالت يماني «لا أعتقد أن الأمر يمكن أن يصبح ظاهرة أو أنه منتشر إلى درجة كبيرة، وإن كان القطع بذلك يحتاج إلى دراسات ميدانية وإحصاءات مهمة للإجابة عن هذا السؤال، إلا أنني في الوقت نفسه لا أعتقد أن منع بيع مثل هذه البرامج مفيد، فهي متاحة على شبكة الانترنت ويمكن شراؤها من خلالها ببساطة». أما عن وجهة النظر الشرعية في لجوء الأفراد سواء كانوا زوجين أو مجرد آباء يرغبون في إحكام الرقابة على أبنائهم، فيقول الشيخ صالح بن عبد الله الشمراني، أستاذ الثقافة الإسلامية بالمعهد العلمي، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود، ومدير مؤسسة والدة الأمير ثامر بن عبد العزيز لتعليم الكتاب والسنة بجدة، إن مثل هذه البرامج تدخل ضمن باب التجسس المحرم في الشريعة الإسلامية، وأضاف «الإنسان العاقل يعرف أن اقتحام الخصوصيات أمر محرم، والأمر كذلك بالنسبة للأزواج فهو محرم قطعا؛ لأن الأصل في الحياة الزوجية الأمان والاطمئنان والمودة، والإنسان لا يقترن بمن يشك فيه، واللجوء إلى مثل هذه الطرق باب كبير لفتح المشكلات وعون للشيطان على إفساد الحياة الزوجية». ويرى الشمراني، أن استخدام الآباء لهذه البرامج أيضا، برغم الدافع، أمر غير صحيح شرعا، ويقول «لا يجوز من حيث المبدأ أن يلجأ الآباء لهذه الأساليب، وهو فعل محرم، حتى وإن كان يخدم مصلحة الأبناء من وجهة نظر الوالدين، والأولى والأجدر مراقبتهم بالطريقة الشرعية المعتادة وحثهم على الصلاة والخلق القويم؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر، والحالة الوحيدة المبررة لاستخدام مثل هذه التقنيات تكون من قبل جهات رسمية ومعينة لمراقبة أشخاص مشكوك في سلوكهم من باب المصلحة الأعم».