اعتدنا أن نسمع أو نقرأ حكما هنا وحكما هناك، فلسفات وعبرا لها معان وتوجيه مفيد، نحرص دائما لاصطيادها وأخذها دروسا لنا في الحياة، لذا تبقى الكلمات الجميلة ما بقي الإنسان، ومن تلك الكلمات الجميلة كلمات الأمير الحكيم.. خالد الفيصل.. التي عكست ثقافته الواسعة، ورقيه الفكري ناهيك عن إحساسه بهموم المواطن والوطن.. تلك الكلمات تصلح بالفعل لأن تكون «وصفة طبية» لعلاج ما وصلنا إليه من تخلف وتقهقر، سمعت هذه الكلمات وقرأتها عدة مرات، وعندما دخلت إحدى الدوائر الحكومية ووجدت هذه العبارات أمامي مكتوبة على لوحة، أجبرتني أن أقرأها وأعيدها وأخط لها بالقلم، لواقعيتها وحذقها وقوة تأثيرها على النفس، «لا بد من محاربة الفساد الإداري ومحاربة التسيب والتخاذل والاتكالية والجهل»، لقد مللنا العالم الثالث، ونريد أن نلحق بالعالم الأول (وهذا ليس مستحيلا). هذا هو موضع الألم، وموطن الداء الذي نعاني منه في بلدنا، بل ويعاني منه العالم العربي والإسلامي كله. إن كل واحدة من هذه الآفات القاتلة التي أشار إليها.. كفيلة بأن تسبب لأصحابها التخلف والإنزواء عن الركب الحضاري الذي لا مكان فيه.. لا للمفسدين.. ولا للمتسيبين.. لا للمتخاذلين.. لا للمتواكلين.. ولا للجهلاء. فالفساد الإداري كالسوس الذي ينخر في الخشب فيحوله كالبودرة، وهو هنا ينخر في عظام مجتمع بأكمله، إذ يقود إلى ما قد يدخل في باب المحرمات كالرشاوى والاختلاس وغيرها من الموبقات. والتسيب يقود المجتمع ومن فيه إلى الضياع، ضياع الحقوق، وعدم الانضباط وفساد المصالح، وما يترتب على ذلك كله من تفسخ وانحلال. والتخاذل يثبط من عزائم الرجال، ويدفع بالمجتمعات إلى الدرك الأفسل من الحضارة، وهو فوق ذلك كله يخلق حالة من عدم الولاء والانتماء للأوطان، بل ويجعل الآخرين يطمعون فيما نملك، فنصبح لهم تابعين.. لا حول لنا ولا قوة. وأما الاتكالية.. وشتان بينها وبين التوكل على الله تعالى، فهي تعني أن نعتمد على غيرنا في كل شيء، في مأكلنا وملبسنا وما نركبه وما نرفه به عن أنفسنا، بل وفي ما ندافع به عن كياننا ووجودنا، فنصبح كما مهملا في الركب الإنساني. وأما الجهل.. قاتله الله، فهو أم الخبائث، والجهل لفظ عام يشمل كل ضروب البعد عن المعرفة، الجهل الديني، الجهل العلمي، والجهل الثقافي. إنه وحده آفة مركبة قاتلة وفتاكة، هو أساس كل بلية، وحتما يؤدي بأصحابه إلى التهلكة.. لهذا كله تبدو أهمية كلمات خالد الفيصل، فهذه الأمراض هي التي ألقت بنا في غيابات العالم الثالث الذي سئمنا التواجد فيه، ونتطلع جميعا إلى الفكاك منه إلى عالم أرحب وأوسع وأكثر احتراما. إن الأفراد هم الذين يدفعون بلادهم إلى مصاف العالم المتقدم، لا يمكن لأفراد تتوافر فيهم هذه الأمراض أن يمتلكوا من القوة ما يدفعون به مجتمعاتهم، بل أنفسهم إلى الأمام. فهل نفكر في الأخذ بهذه الوصفة العلاجية الرشيدة، من طبيب حاذق، خبر الدنيا وفهم أبعادها، قبل أن يستفحل المرض، ويستحيل معه العلاج؟. آمل ذلك. dr@dr rasheed.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة