شهر كامل حافل ببيانات صحافية من شركات سيارات العالم تعترف فيها ببدء سحب بضائعها من دول محددة لأسباب فنية قاتلة. وحين خصت ب (حملة السحب) بعض الدول فهي لم تكن تقصد دولا فقيرة صدرت إليها سيارات بأقل الإمكانيات وأرادت التكفير عن ذنبها، ولكنها كانت تعني بوضوح أمريكا ومعها زمرة من دول أوروبا الكبرى. ولا أظن أن أحدا سيقول بتغاضي أجهزة الرقابة هناك عن أخطاء قاتلة كتلك، ولكنه العمى اللحظي الذي تتبعه حين تستفيق بصرامة وقوة. وقبلها كنت مستمعا لخبير عالمي في علم الأدوية، يعمل أستاذا جامعيا هنا، يتحدث عن أرقام بالمليارات تصرفها شركات الأدوية كتعويضات للمتضررين من منتجاتها المسحوبة من صيدليات تلك الدول، حتى باتت شركاتها تفكر مليون مرة قبل إنزال بضائعها إلى سوق زبائنه لا يغفرون الخطأ. هذا حالهم مع أخطاء الشركات فكيف حالنا مع (نكباتهم)؟. مع الأيام الأولى لحملة سحب السيارات سارع كبار المستوردين هنا إلى التأكيد بأن السيارات المستوردة خضعت لمعايير السلامة وأن حالها «تمام التمام» ولا حاجة لسحبها. وهذا الرد يحتمل شكين: إما أن تكون لدينا أجهزة رقابة بمواصفات خارقة ضمنت سلامة ما استوردناه من سيارات، وهذا بحد ظاهره إنجاز عالمي يستحق شهرا من الاحتفال المتواصل لأننا نتجاوز بذلك خوارق أمريكا في ضمان الرقابة. أو أن ما نركبه من سيارات هو مشكلة بحد ذاتها ولا تفيد معها حملات سحب أو دفع، وإلا فليتفضل أحد بتوضيح أسباب كثير من حوادث السيارات في البلاد والتي تبقى طريقة حدوثها سرا يدفن مع من مات فيها. أو فليتفضل أحد، على أقل الإيمان، بالإجابة على السؤال المخيف: إذا كانت (أمريكا) مسرحا لأخطاء مصنعية قاتلة، فما موقعنا نحن دولة العالم الثالث من خشبة ذلك المسرح؟. أما حالنا مع أخطاء الأدوية المميتة، فهو حفلة من الضحك المبكي: ففي الوقت الذي يقطف المواطن الأوروبي والأمريكي قيمة التعويض من شركة صرفت له كبسولة مضرة، تبقى ذات الكبسولة على رف صيدليتنا وفي مستودع مستشفانا إلى حين تنشر هيئة الدواء والغذاء السعودية بياناتها وتحذر منها (ثم) تمضي في سحبها، ومدة ذلك عام بالحد الأدنى ولا عزاء لمن تضرر. نحن خشبة مسرح يسيل لها لعاب من أراد تجربة منتج حديث. لأننا لا نتكلم وإذا تكلمنا لا نطالب بتعويض، المهم عندنا بقاء المستوردين بخير وصامدين على أقدامهم. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة