ذكرت «الحياة» (17102) أن كارثة سيول جدة تنعش شركات التقسيط وتزيد مبيعاتها 30 في المائة، خاصة شراء السيارات بنظام التأجير المنتهي بالتملك الذي ارتفع بأكثر من 60 في المائة، وقد أفتى البعض بعدم جوازه شرعا، وهذا غير صحيح لأن الأصل في العقود الإباحة كما قال ابن تيمية (الفتاوى) (29/16). ما لم يكتنفها محظور شرعي، إذ هي من باب الأفعال العادية وليست عبادة، والأصل فيها عدم التحريم ورضا المتعاقدين ركنها لقوله تعالى: «إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم». وهو عقد تأجير على العين المؤجرة ملحق به وعد من المؤجر ببيع العين للمستأجر عند نهاية فترة التأجير وسداد مستحقاتها، وهي الصورة المتداولة بين الناس بأنه إذا رغب المستأجر .. شراء السيارة فلا مانع لدى الشركة من بيعها عليه بمبلغ ... ريال. وليس هنا ما يفيد وقوع عقدين على ذات العين، وإن كان العنوان يوهم بذلك وهو غير صحيح، لأن الوعد ليس عقدا ولا يلزم الوفاء به قضاء وإن وردت فيه النصوص التي تحث على الوفاء به فمن مكارم الأخلاق. قال البهوتي في الكشاف (3/147): «ولو قال البائع بعتك كذا بكذا، فقال المشتري أنا آخذه بذلك لم يصح أي لم ينعقد البيع لأن ذلك وعد بأخذه». وخلاصته أن الوعد لا ينعقد به البيع. وقال ابن الهمام في فتح القدير (6/248): «البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي مثل أن يقول أحدهما بعت والآخر اشتريت». كما أنه لا يصح تعليق عقد البيع بشرط أو وعد كأن يقول: إذا أكملت سداد مستحقات عقد إيجار هذه السيارة أبيعها لك بكذا. قال ابن الهمام في فتح القدير 6/447) «.. ولا يصح تعليقه بالشرط». والخلاصة أن عقد البيع لا ينعقد بالوعد. فلا يظهر أن عقد التأجير المنتهي بالتمليك هو عبارة عن عقدين في ذات العين صفقة واحدة. ثم حتى لو كان الوضع كذلك فإن فريقا من أهل العلم ذهبوا إلى تصحيح وقوع عقدين في ذات العين صفقة واحدة كما ذكره البهوتي في الكشاف (3/154) وابن قدامة في المغني (4/107). وقال ابن الهمام في فتح القدير (6/451) إن هذا جاز للتعامل به فصار كصبغ الثوب فإنه عقد منفعة بأعمال الصبغ وفيه عقد بيع على عين وهو الصبغ ذاته. ونسب الماوردي في الحاوي (5/320) إلى القاضي ابن أبي هريرة صحة جمع بيع وإجارة صفقة واحدة وأن هذا هو أحد القولين عند الشافعي. وقال النووي في المنهاج (2/41) «.. ولو جمع صفقة مختلفي الحكم كإجارة وبيع .. صحا في الأظهر». وجاء في هذا المعنى قوله تعالى في تأجير الظئر: «فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن». والإجارة عقد على منفعة مع أن العقد يدخل فيه اللبن، بل هو المقصود أصلا من الرضاع كما نص عليه ابن تيمية فيدخل فيه معاني العقدين صفقة واحدة كما شرحها ابن تيمية بالتفصيل وابن قدامة في المغني (4/231) والتنوخي في المدونة (4/441). وباع جابر بعيره للرسول (عليه الصلاة والسلام) واستثنى ظهر البعير إلى المدينة وفيه معنى البيع والإجارة صفقة واحدة في ذات العين. وكذا عتق أم سلمة عبدها سفينة واشتراطها عليه خدمة الرسول (عليه الصلاة والسلام) طيلة حياته، وهو عقد ارتفاق ومنفعة على ذات العين. وباعت زينب جاريتها لزوجها ابن مسعود واشترطت عليه عدم التصرف فيها بالبيع أو الهبة ونحوها وهو أشبه بعقد بيع ومنفعة. وباع تميم الداري فيما ذكره ابن حزم في المحلى (8/420) داره واشترط على المشتري سكناها طيلة حياته وقال أي قال تميم الداري : «إنما مثلي مثل أم موسى رد عليها ولدها وأعطيت أجر رضاعها». وهذا عقد بيع وإجارة على ذات العين صفقة واحدة. وباع صهيب الرومي داره لعثمان بن عفان واشترط عليه سكناها. فهؤلاء صحابة وتعاملوا بمثل هذه العقود من غير نكير فكان تعاملهم دليل على جوازها. ولذلك توسع أحمد في تصحيح الشروط في العقود جميعها أيا كانت حتى ولو خالفت هذه الشروط مقتضى العقد طالما أن فيها مصلحة للمتعاقدين ولا يكتنفها محظور شرعي. ولا شك أن في عقد التأجير المنتهي بالتمليك مصلحة للمستأجر أو هو المشتري حقيقة في تجزئة الثمن على قدر الاستطاعة من غير تعلق دين في ذمته. وفيه أيضا مصلحة للمؤجر أو هو البائع حقيقة في ضمان سداد تمام المبلغ مع الاحتفاظ بحقه في حالة عدم السداد. وأما ما قيل في التحريم من أن المالك للعين يضاعف الأجرة ويجعلها ألفين مثلا ويكون المستحق ألف ريال فهذا لا يطابق الواقع الذي عليه الناس في هذه الأسواق. ثم حتى لو قيل أن قيمة الإيجار مضاعفة ودخل المستأجر العقد بعلمه ورضاه فلا يستلزم هذا أن يحكم على عقد التأجير هذا بالبطلان شرعا لأن غاية ما فيه جواز الفسخ بالغبن الفاحش إن ثبت. البهوتي، الكشاف (3/211). وفسخ العقد كما هو منصوص عليه هو من خيار المستأجر، فلا يحكم على هذا العقد بالبطلان. أما القول بأن هذا العقد قد أغرق الفقراء في الديون فهذا فيه نظر من جهة أن عقد الإيجار المنتهي بالتمليك لا يتضمن ديونا على ذمة المستأجر وإنما له الخيار بالفسخ والتوقف عن استيفاء المنفعة وإعادة العين إلى أصحابها وليس ثمة دين في ذمته، بخلاف البيع المؤجل بالتقسيط إذ بمجرد انعقاد البيع يكون قد دخل في ذمة المستأجر كامل المبلغ، وهو في هذه الحال يكون مثقلا بالديون وتكون المشقة عليه والعسر في هذا أكبر، فلزم ترجيح ما فيه تيسير على العباد ودفعا للحرج والمشقة عنهم، وهذه هي مقاصد الشريعة في كافة أحكامها. كما أفتى مجمع الفقه الإسلامي في تاريخ 6/5/1409ه بجواز هذا العقد بصورته التي يتعامل بها الناس اليوم وهي تضمن للمستأجر الخيار في نهاية العقد بتمديد فترة الإيجار أو إنهاء العقد وإعادة العين إلى أصحابها أو شراء العين بسعر السوق. واختلاف أهل العلم في المسألة الواحدة رحمة للعباد، فيجوز الأخذ أو الترك لأي فتوى شاءوا من غير نكير. وكان الإمام أحمد يفتي السائل في المسألة ثم يدله على من يفتيه بخلافها ويجيز له الأخذ بأيهما شاء. وهذا من سماحة هذا الدين ويسره وتيسيره للناس في جلب المصالح ودرء المفاسد ورفع الحرج والمشقة عنهم. فاكس/ 6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة