مشكلتي أنني معلمة في منطقة بعيدة عن سكني وغير متزوجة، ومنذ صغري وأنا انطوائية، وعلاقاتي محدودة جدا .. لا أخرج من المنزل إلا للعمل أو شراء بعض ما أحتاج إليه، لا أحب السوق وحتى الناس، وإذا تكلمت تفوهت بقليل من الكلمات، و أفضل الصمت كثيرا، تعلق قلبي بشخص لا أعرف شكله ولم أكلمه يوما، أتى وخطبني، إلا أن أمي رفضته لأسباب لا أعرفها ولم أستطع أن أسألها لخوفي من شدتها، ولضعف والدي أمامها، عمري حاليا 37 عاما، وكلما تقدم بي العمر، سئمت من تصرفات والدتي بطرد كل من يأتي لخطبتي، حتى جاءت اللحظة التي أخرجتني من انطوائيتي وتجرأت وكلمت الشخص الذي تقدم لخطبتي خمس مرات وفي كل مرة كانت والدتي ترفضه، ومع الوقت وجدت نفسي ميالة للزواج منه وطلبت منه أن يتقدم لخطبتي خاصة أني وجدته رجلا عاقلا وقد تجاوز الأربعين من عمره، واتصل بأمي طالبا أن يأتي لخطبتي بعد أن تأكد من موافقتي للزواج منه، لكنها أخبرته أنني أرفض الزواج منه، أسمعتني ألوانا من الكلام غير الجيد، ومنذ ذلك الوقت وأنا لم أفارق غرفتي، وأصبحت نادمة على كلامي معه، وفي نفس الوقت أتمنى أن تأتيني الجرأة وأقف أمام أمي لأسالها عن سبب رفضها لزواجي، وهل هو خوفها أن يذهب راتبي إلى شخص آخر غيرها حتى وإن كان ذلك على حساب سعادتي. سارة هذه واحدة من القصص العديدة جدا التي تردني والتي أقف أمامها حائرا، لا لأنها بلا حل وإنما لأننا لم نفعل بعد ما وهبنا الله إياه في ديننا وشرعنا لمواجهة هذا الصنف من الأهل الذين يعضلون فتياتهم ويمنعونهن من الزواج لأسباب واهية في مجملها، وحتى حين تكون الأسباب مقنعة فمن واجب الأهل أن يكونوا صرحاء واضحين مع فتياتهم، بحيث يضعون بين أيديهن كل ما يعرفونه من معلومات حتى يعينوهن على حسن اتخاذ قرار الزواج. أما أن تكون اعتبارات الراتب والآراء الشخصية المبنية في كثير من الأحيان على معايير ما أنزل الله بها من سلطان كأصل الخطيب وفصله وشكله ولون بشرته فأمور يجب الحد من تأثيرها، وما سأقوله لك يا ابنتي يعتمد اعتمادا أساسيا على أن ما كتبته كان دقيقا جدا، وليس فيه تجن على والدتك، أنا لا أعرف بالضبط السبب الحقيقي لرفض أمك لهذا الرجل، وسأسلم بقبول روايتك، وعندها فأنت كنت ومازلت تملكين العديد من الوسائل التي يمكنك أن تدافعي بها عن نفسك، لك أب وربما لك أخوال أو أعمام أو أقارب بينهم رجل أو أكثر حكيم، وبالتأكيد لك قريبات كبيرات في السن حكيمات، وعليك في مثل حالتك أن تلجئي لهم واحدا تلو الآخر، أما عن كيفية حماية نفسك من القيل والقال، فأمره سهل إذ يفترض بمثل هذا الرجل الذي تقدم لخطبتك أن تتحدث إليك قريبة له كإحدى أخواته أو عماته أو خالاته، أو والدته، وعندها يفترض أن تكوني على علم بما يكفي لمواجهة أمك والدفاع عن حقك في الزواج، ويمكنك القول لها إن ما تعرفينه عن هذا الرجل مصدره من تحدث إليك من أقاربه، وأنك تحتاجين للسؤال عنه من بعض من تثقين به من أقاربك للتأكد من صدق ما وصلك من معلومات عنه، ولو كنت كذلك فلن تتهمك أمك بما ليس فيك، وعندها ستكونين في وضع يجعلك تقولين لها إن ما لديك من معلومات يجعلك لا تجدين فيه ما يعيبه، أما سكوتك عما تفعله والدتك وتحكمها في قرار مصيري مثل قرار زواجك وقد بلغت هذه السن فأمر غير مقبول، ولا تنسي أن هناك حالات مشابهة حين شرحت مشكلتها للقاضي وجدت منه ما يعينها على الحل، وقد تقولين لي إنك لا تريدين خسارة أمك ولا الظهور أمامها بمظهر العاصية لما تريد، ولكن هل كل أب وأم يملكون من الحكمة ما يجعلهم فوق الخطأ؟ أم أن هناك قرارات تصدر عنهم في بعض الأحيان تنم عن سوء تقدير وعدم وعي بنتائج أعمالهم؟ باختصار شديد لا أنصحك بالاستمرار على موقفك الصامت السلبي الحالي، ولا تطلبي من أحد أن يكون مدافعا عنك ما لم تدافعي أنت عن نفسك، وليس لك الحق في تحميل أي أحد مسؤولية مصيرك وأنت متخلية عن تقرير هذا المصير، أنت بحاجة للنظر إلى نفسك باعتبارك إنسانة قادرة على تقرير مصيرها، ولست كما مهملا أو ريشة في مهب الريح تحركها أمك كيف تشاء، تحدثي إلى خالاتك واحدة تلو الأخرى، وتحدثي إلى عماتك أيضا واحدة تلو الأخرى واشكي لهم وقوف أمك في طريق زواجك، ولا تسكتي إطلاقا عن هذا الحيف والظلم إن وجد، ومع كل هذا عليك بعد أن حدث ما حدث أن تسألي نفسك عن الحكمة مما حدث، لا سيما أنك لا تعرفين عن هذا الرجل إلا ما قاله عن نفسه، وبالتالي فأنت عمليا لا تملكين المعلومات الكافية التي تجعل صورته المرسومة في ذهنك صورة دقيقة وصحيحة، وما فات مات كما يقولون، وعليك أن تكوني قوية في الدفاع عن مصلحتك من الآن فصاعدا، ولن يتحقق لك هذا إلا إذا نشرت خبر وقوف أمك في وجه زواجك بين من تحبهم أمك لأنهم هم الذين سيساعدونك على تفادي هذا الموقف مستقبلا، وأكدي لأمك من ناحية ثانية أنك لن تتخلي عنها ماديا، وأنك ستعطينها ما يكفيها من راتبك إن كان الأمر يتعلق بالراتب وقولي هذا لكل من تشرحين له مشكلتك من أقاربك.