بعد مرور نحو 24 ساعة على حادثة حريق المنطقة الصناعية، شمال جدة، وقفت «عكاظ» أمس شاهد عيان، واستطلعت آراء أصحاب الورش والمواطنين المجاورين. في الجولة لا يرى الزائر سوى مستودعات، مصانع للمفروشات، ورش للسمكرة والميكانيكا والحدادة والنجارة، ومحال قطع الغيار بمختلف أنواعها، والخراطة والكهرباء والمكائن المستعملة، حظائر لبيع الأغنام، ومقاه للشيشة، تنتشر في منطقة الورش الصناعية الواقعة في شمال جدة، مقابل شبك مطار الملك عبد العزيز الدولي، بصورة عشوائية مزعجة حد الاختناق وتملأ المكان تلوثا ومرضا، فضلا عن فوضى العمال من جنسيات مختلفة، الذين يعترضون الطريق محاولين مساعدة المارين بسيارتهم، إضافة إلى وجود الحفريات والمطبات وأكوام الحديد والسيارات الخربة المرصوصة داخلها، يحدث ذلك على الرغم من قرار اتخذته أمانة محافظة جدة بنقل الورش بعيدا عن النطاق العمراني، فماذا يقول السكان المجاورون لتلك الورش. الصخب يعم المكان عماد سمير الذي كان في إحدى الورش أبدى تذمره، شاكيا من الصخب الذي يعم المكان ورائحة البويا النفاثة التي تنبعث من ورش السمكرة، بسؤاله عن عدد الورش في المنطقة، قال إنه لا يعلم عن عدد الورش ولكنها كثيرة. وعن زحمة المنطقة ووجودها هنا وعن مستوى النظافة داخلها، قال: بالنسبة للنظافة، فمستواها سيئ جدا نحن نعاني منها، فالكل يشاهد وجود الحاويات أمام كل ورشة، حيث نحرص على وضع النفايات داخلها، غير أن هذه الحاويات تبقى بنفاياتها لعدة أيام دون أن يتم رفعها، وهذا دور البلدية في نظافة المنطقة. أما بالنسبة عن وجودها، فيقول عماد: سمعنا قبل نحو خمسة أعوام عن قرار بنقل منطقة الورش الصناعية خارج النطاق العمراني في أقصى الشمال، وأن هنالك قرارات لاحقة بذلك، غير أن الوضع ما زال على ما هو عليه. ولا يختلف رأي برهان المسؤول في إحدى الورش عن جاره عماد في مطالبته بنقل جميع الورش بعيدا عن الأحياء السكنية، خصوصا أن هذه المنطقة أصبحت تشوه المدينة، وتعتبر من مصادر التلوث وتهدد حياة الأهالي المجاورين. ويؤكد محمد فاروق عامل في إحدى الورش في صناعية الشمال أنه سمع عن قرار نقل المنطقة قبل خمسة أعوام، ولكنه لم ير سوى الورش تزداد والضجيج يعم المنطقة. من جانبهم يشتكي المواطنون في الأحياء السكنية أنه من غير المعقول أن تظل هذه الورش وسط الأحياء رغم خطورتها وتهديدها للصحة العامة، بموادها الخطرة ومركباتها الكيمائية، حيث أثبتت الأبحاث الطبية ضررها البالغ على صحة الإنسان مثل برادة المعادن والدهانات المستخدمة في سمكرة السيارات والسموم الناتجة عن مختلف المواد الكيمائية في هذه الورش. الخوف من الكارثة يصف رائد اللقماني أحد سكان حي النزهة الحالة الذي آلت إليها هذه الورش قلائلا: النزهة حي سكني كامل به عشرات الفيلات، والعمائر وبه جميع الخدمات ويقع بين الورش الصناعية، ظل سكانه يعانون من حصار الورش والمصانع داخله، مضيفا أنه من المؤسف أن تجد سكنك محاصرا بمنطقة صناعية ينبعث منها (الخطر) حيث إن من الممكن أن تقع كارثة في أي وقت، أضف إلى ذلك أن جميع العاملين فيها من العمالة الوافدة، ومن العزاب، ولهذا فإن الكثير من سكان الحي تركوا مساكنهم وبعضهم باعها ورحل، بينما الأمانة لاتهتم بالأمر!. ويشير سالم المزروعي إلى أن بقاء هذه الورش في موقعها الحالي يعرض السكان لمخاطر أمنية وصحية فضلا عن تشويه المشهد العام للمدينة. أما أبو علي أحد السكان المجاورين للمنطقة فيشتكي من وجود مقاه للشيشة، بل تحول بعض الورش إلى مقاه، والخوف كل الخوف أن تتوسع المنطقة في هذا النشاط الذي أصبح لا يطاق، ويشكل خطرا على الأهالي. وأضاف: كانت هناك مطالبات من سكان الحي إلى الأمانة لمواجهة ظاهرة كثرة فتح المقاهي حول المساكن الخاصة. تفعيل قرار النقل يروي أحمد عسيري من سكان حي النزهة: قبل نحو ثلاثة أعوام بحثت عن شقة للإيجار وأردتها أن تكون قريبة من مقر عملي في مطار الملك عبد العزيز، فوقع نصيبي في حي النزهة وهو حي مجاور لهذه الورش، كنت لا أعرف المنطقة جيدا، لكنني تفاجأت بالمساحة الكبيرة التي تقع عليها هذه الورش والمصانع والمستودعات والمقاهي، حيث لم تتوقف معاناتنا عند حد الإزعاج، بل إن الحي يعاني من الشوارع المظلمة وكثرة المطبات وتكدس السيارات، والشاهد في الموضوع أنني لم أستمر طويلا في السكن إذ قمت بالبحث عن مسكن آخر بعيدا عن هذه المنطقة، التي أصبح من الضروري إيجاد حل لها وذلك بنقلها بعيدا عن المناطق المأهولة بالسكان، ونطالب الجهات المسؤولة بالتدخل السريع لمعالجة الوضع والوقوف على مشكلات الحي والعمل على تفعيل فكرة نقل منطقة الورش السكنية حماية من أضرارها وحرائقها المستمرة. وقال أحمد البكري: المنطقة تعاني من العشوائية، وغير منظمة حيث تجد ورشة سمكرة ملاصقة لمصنع للمفروشات، وترى محل نجارة ملاصقا لمقهى وتخيل فيما لو شب حريق، أضف إلى ذلك التلوث الذي تعانيه المنطقة، خصوصا الأحياء السكنية المجاورة. ويضيف: معظم المناطق الخاصة بالورش الصناعية في مختلف بلدان العالم لا يسمح بوجودها إلا في المناطق البعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان، بينما نجد هذه المنطقة الصناعية هنا في قلب الأحياء الحديثة. ويؤكد فيصل النعمي أحد سكان حي الربوة الذي يقع إلى جوار منطقة الورش أن السكان في هذا الحي يواجهون إزعاجا كبيرا، فالورش تظل مطارقها ومكائنها تعمل حتى ساعة متأخرة من الليل، بالإضافة إلى تجريب السيارات بعد إصلاحها وسط الحي مما يشكل إزعاجا آخر ومنظرا غير حضاري بدون رقابة، مطالبا كالآخرين بتفعيل القرار الخاص بنقلها خارج النطاق العمراني، وأن تولي الأمانة اهتماما أكبر بالحي. هاشم محمد جابر أحد سكان الأحياء المجاورة للمنطقة الصناعية يقول: من غير الممكن البقاء في هذا الحي، الذي أصبح يشكل خطرا على الجميع، وخصوصا على الأطفال جراء الروائح التي تنتشر في الأحياء بسبب روائح الشيشة والمعسلات من المقاهي ليلا، ومن الأصوات المزعجة، والزيوت والشحوم من ورش السيارات صباحا.. ويضيف هاشم: الأمر لم يصل إلى هذا الحد، بل وصلت الأمور إلى وجود مصانع للأثاث والأسفنج، ما يثير المخاوف من نشوب حريق في أحدها، قد تكون الكارثة حينها خطيرة، وبالتالي لا بد من تحرك الجهات ذات العلاقة للوقوف على هذا الوضع، ومعالجته بأسرع ما يمكن. ويشاطره مشاري عبد الله الرأي، مضيفا أن المشكلة أصبحت تؤرق الجميع صباحا ومساء، وذلك ما دعا الكثير من الأهالي إلى الخروج من الحي، والبحث عن مساكن في أحياء أخرى، في حين تزداد الورش والمقاهي والمصانع في الانتشار في المنطقة، بصورة تستحق الوقوف أمامها بجدية. الأمانة: نقل المنطقة من جانبه أوضح رئيس بلدية المطار الفرعية، المهندس فهد الدقسي أن هناك قرارا من أمين محافظة جدة، بناء على موافقات سابقة من وزارة الشؤون البلدية والقروية، بنقل المنطقة الصناعية بالكامل إلى خارج النطاق العمراني، وتحديدا على طريق عسفان، مشيرا إلى أن نقل المنطقة خلال عام ونصف العام، كما هو محدد لها ما لم يكن هناك تمديد، مبينا أن مدخل جدة سيكون من شارع الأمير ماجد. وأضاف المهندس الدقسي أن هناك اجتماعات متواصلة مع الأمين وبعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص بتجميع أفكار لاستثمار مساحة المنطقة بعد نقلها، الاستثمار الأمثل.