أخيرا وبعد طول انتظار ومعاناة نقضت المحكمة العليا في الرياض حكما أصدرته محكمة الجوف قبل أربع سنوات وثمانية أشهر والذي قضى «بفسخ عقد زواج المدعى عليه (منصور التيماني) من المرأة (فاطمة العزاز) وعليها العدة الشرعية حسب حالها اعتبارا من تاريخ الحكم، ويشمل هذا الحكم التنفيذ المعجل بحيث يفارق المدعى عليه المرأة». فاطمة ومنصور لمن لم يتابع القضية هما زوجان على سنة الله ورسوله، تم زواجهما بموافقة الوالد وأثمر زواجهما طفلة (نهى) وطفل (سليمان)، لكن إخوانها غير الأشقاء قدموا دعوى التفريق بينهما تحت حجة ومبرر «عدم تكافؤ النسب» مستغلين مرض الوالد في بداية السجال القضائي، لكن فاطمة وزوجها بالطبع رفضا هذا الحكم وبدأت رحلة المعاناة والمطاردة من قبل «الإخوة»، حيث انتقل الزوجان من الجوف إلى القصيموالخرج، وتم «ضبطهما» في جدة في «خلوة غير شرعية»، مما أدى إلى سجن فاطمة في الدمام لمدة عام ثم رفضت فاطمة العودة إلى بيت أهلها وفضلت المكوث مع خالها في الخرج، وبعد مرور شهر أخذت عنوة إلى بيت إخوتها لكنها رفضت وفضلت اختيار العيش بين السجينات هي وطفلها سليمان الذي كان رضيعا في دار الرعاية الاجتماعية في الدمام، رافضة الخروج إلا بيد زوجها ومع عائلتها الصغيرة. لقد تحولت هذه القضية إلى قضية رأي عام محلي وعربي ودولي، وتحدث عنها الكثير من الكتاب والكاتبات بالطبع، وتحولت إلى دراما تلفزيونية وتناولتها التقارير الحقوقية العربية والدولية التي تناقش أوضاع المرأة في بلادنا ولا حاجة بنا إلى إعادة تلك النقاشات التي تناولت القضية من منظور إسلامي ومن منظور حقوقي وإنساني، فالأمر غاية في الوضوح (لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى)، والحكم يفرق بيتا تسوده المودة والرحمة والحب تحت مبرر عدم تكافؤ النسب. النبي (صلى الله عليه وسلم) يفضل بلال الحبشي (رضي الله عنه) على أبي لهب عمه الذي تبت يداه وهؤلاء يفرقون زوجين متراضيين متحابين لأن الزوج لا يرقى إلى نسب قبيلة الزوجة! لكن إصرار فاطمة على موقفها هو من حرك الأمور لتعاد إلى نصابها الفعلي، وانبرى المحاميان الباهران عبد الرحمن اللاحم وأحمد بن خالد السديري لتبني قضيتها وتم رفع الطعن إلى هيئة حقوق الإنسان أثناء رئاسة تركي السديري، وتم إعداد مذكرة استئناف إلى خادم الحرمين الشريفين عن طريق الهيئة وقد وجه أيده الله بإحالتها إلى المحكمة العليا من أجل إعادة النظر في القضية. وأخيرا وبعد مرور ما يقارب الخمس سنوات ها نحن نحتفي بنقض الحكم وإبطاله الذي أصدرته محكمة الجوف بتطليق الزوجين، وبذلك أصبح الحكم ملغى، وحكم المحكمة العليا نهائيا لا يمكن الطعن فيه، لأن تطليق الزوجين هتك للشرع وإهدار للعدالة كما جاء في مذكرة الاستئناف. ما هو الدرس الذي يمكن أن تتعلمه المرأة في بلادنا من هكذا قضية؟ علينا هنا أن نتعرف على حقيقة أساسية تتمثل في إصرار فاطمة على حقها الطبيعي في الاختيار وتحملها عناء المطاردة والسجن الإلزامي والاختياري في سبيل تحقيق هدفها، إنها لم تتصرف على أساس أنها «ناقصة عقل ودين» كما يروج البعض، بل إنها رأت في ذاتها إنسانا له كامل الأحقية في تحقيق وتحديد مصيره بذاته بكل عزم وإصرار وصبر متواصل وتفاؤل لم ينقطع، ورغم أن هناك الكثير من الأيادي التي امتدت لتساعد وتدعم من ضمنها المحاميتان البارزتان والناشطتان فوزية العيوني وإبتهال المبارك إلا أن أي دعم لا يمكن أن يكون ناجعا لو لم تكن هناك إرادة صلبة لدى فاطمة لمواصلة الطريق، وهنا لابد من التنويه بوالد الجميع خادم الحرمين الشريفين الذي اقتنع بضرورة إعادة النظر في هذه القضية. الدرس الآخر الذي على مجتمعنا وتشريعاتنا وقوانينا أن تعيد النظر فيه هو قضية الولاية التي يمارسها طفل صغير على أمه أو أخته فقط لمجرد أنه ذكر وهي أنثى، هذه الولاية التي سمحت لإخوة فاطمة الذين ما زالوا حسب تصريح أخيها مصرين على رفض الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا ونيتهم نقضه والاعتراض عليه بالطرق القانونية («عكاظ» 31/1/2010)، هذه الولاية التي تجعل من المرأة في بلادنا سواء كانت عالمة أو طبيبة أو حتى أما تحت رحمة من أنجبت وربت أو تحت رحمة أب لا يعرف عن الأبوة إلا الامتلاك والتحكم وهذا ما يجعل من مجتمعنا يغص بقضايا عضل الفتيات وقضايا الطلاق الذي تزداد نسبته يوما بعد يوم وقضايا الفساد وغيرها المرتبطة كل الارتباط بقضية الولاية التي تحرم المرأة من كونها ذات إنسانية بشرية عاقلة ومستقلة لها ذات الحقوق وعليها نفس الواجبات شرعيا وقانونيا وإنسانيا، فهل نحن فاعلون. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة