شاع بيننا في الآونة الأخيرة، أن صرنا نتحدث كثيرا عن جمال قبول الآخر، وطلاوة التعايش السلمي مع الغير، وعن قبح العنف، داخل الأسرة أو خارجها، ونستنكر كثرة ما يقع من خلافات تنتهي بالمتخالفين إلى العنف اللفظي والبدني فيما بينهم، كما صرنا نتحدث بامتعاض عن قمع الطلاب في المدارس وما يصحبه من شل لتفكيرهم، وسوق لهم إلى الانقياد وراء الآخر في إلغاء تام للاستقلالية أو الشعور بالذاتية المختلفة، ورافق هذا أن نشطت بيننا الدعوة إلى نبذ معادات الآخر المختلف عنا، والمناداة بنشر التسامح مع المخالفين واحترام رأيهم، والبعد عن التصلب والأحادية في الرأي، ليس هذا فحسب، بل صرنا أيضا نصب غضبنا على كل من نراه بعيدا عن المرونة متشبثا بمعاداته لمن يخالفه، مجافيا لمتطلبات العصر التي تقتضي التكيف والتعايش السلمي مع الآخر، حتى وإن لم نتفق معه في توجهاته ورؤاه. وما يبدو هنا، هو أننا نتوقع أن يكون الناس آلات ومكائن، تتغير وفق الطلب والحاجة، فنحن نتوقع منهم أن يتعاملوا مع متغيرات العصر بغير ما غرسته التنشئة فيهم، وحين لا يفعلون نشعر بالإحباط وتضيق بهم صدورنا. تنشئتنا الاجتماعية تنشئة تقليدية، تؤمن بالأحادية في الرأي، حيث يتمثل التقديس لما يقوله الكبير والتعامل معه كحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لذلك تتجسد المخالفة لما يقوله الأب أو المعلم أو المدير في صورة رذيلة تنفر منها القيم الأخلاقية السامية، فلا يقبل من الصغار أي اعتراض على ما يقال لهم، أو امتناع عن الانقياد لما يطلب منهم، على اعتبار أن كل ما يصدر إليهم من الكبار صواب، وأن لا رأي آخر يعدله، ليس هذا فحسب، بل إنهم يصور لهم الانصياع التام لآراء الكبار وتوجيهاتهم، سلوكا مثاليا وقيما أخلاقية عليا يمتدحون بها، فيشبون وقد تجرعوا كؤوسا مترعة من الإيمان بقيمة الرأي الواحد، يتلقونه مطروحا على يد المعلم أو الوالد أو المدير أو غيرهم، ممن هم في مكانة أعلى أو يمثلون سلطة في أي شكل من الأشكال. ثم حين يكبرون ويشبون عن الطوق، نتوقع منهم أن يتحولوا فجأة إلى مؤمنين بتعدد الآراء متقبلين للاختلافات، متعايشين مع الاعتراضات، وننسى أنه متى كانت الأحادية في الرأي هي النسق الذي نشأوا عليه، فإنه من الصعب توقع انقلاب تفكيرهم وقيمهم بمجرد أن يكبروا وينغمسوا في معترك الحياة. مع الأسف ، هذا هو واقع التنشئة التي نعيشها في ثقافتنا الاجتماعية، هناك كثيرون يؤمنون أن الأبناء والطلاب وصغار الموظفين والعاملين ينبغي أن يطيعوا بلا مراجعة، من هم أعلى مكانة منهم، طاعة كاملة بلا اعتراض أو نقاش، وأن احترام أو هيبة الوالد أو المعلم أو الرئيس، يتمثل في أن (يمشي) كلامه ولا يسمح لمن هو تحت إمرته، أن يرفض أمرا أصدره إليه أو يراجعه فيه، ورغم أننا جميعا نعرف أنه ليس كل ما يصدر من (الكبار) من أوامر أو تعليمات يحمل الصواب في ذاته، وأنه في أحيان ليست نادرة، يكون الحق مع الأولاد أو الطلاب أو غيرهم من (الرعية) في رفض ما يصدر إليهم، لكن مكانة (الراعي) تحتم عليه أن لا يعترف بخطأ رأيه، وأن لا يتراجع عن أمر أصدره. في مثل هذه البيئة وهذه التنشئة المثقلة بقيم الأحادية في الرأي، يكون طلب الإيمان بالتعدد والتسامح مع الآخر، لدى الناس، كطلب قطعة سكر في وسط المحيط. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة