كادت الأحلام تبدأ مع الدقائق الأولى لنوم كبس علي فجأة وأنا أشاهد برنامجا سخيفا على التلفزيون قبل يومين، لكن موسيقي صاخبة أرعبتني من نفس المحطة جعلتني استيقظ على عجل وفي حالة فزع. كانت الموسيقي في قاعة «ديسكو» على ما يبدو في مدينة عربية كبيرة وكان في القاعة عشرات الشباب من الجنسين في حالة فرح عارمة ورقص طبعا. وفي وسط هذا المشهد الصاخب ظهرت مذيعة حسناء ركضت وراءها الكاميرا، وقالت المذيعة إنها جاءت إلى هنا لكي تسأل الشباب عن طموحاتهم ! طبعا طار كل ما تبقي من النوم في عيني وأنا اسمع هذا الكلام: طموحات وأين في الديسكو؟ !ماهذا التخريف! لم تسمع المذيعة اعتراضاتي بالتأكيد، فقامت بسؤال أول شاب أمامها: ما هو طموحك ؟ رد عليها وهو يضحك: عالم ذرة! وضحكت المذيعة لكنها لم تعلق، بل ذهبت إلى شاب آخر قال لها: سباك. هنا صار عند المذيعة المسكينة بعض الفضول فسألت الشاب: ولكن لماذا؟ فرد: أحصل على فلوس كثيرة ! وطالت المقابلات مع الشباب، لكن المذيعة لم تحصل إلا على إجابات ساخرة أحيانا ومضحكة أحيان أخرى، وحاولت إكمال البرنامج غير أن النوم عاد وطبق على جفوني مرة أخرى وحان موعد نومي فنمت تلك الليلة بلا طموح! الطموح مشروع في حياة الإنسان بل هو ضروري وجزء من الطبيعة البشرية. ورغم ذلك نجد أن هناك بشرا بلا طموح كل همهم في الحياة أن يعيشوا مستورين. لكن ليس معنى هذا أن كل طموح يريد الإنسان ويتمنى تحقيقه وبأية وسيلة أو طريقة يعني طموحا، فالفرق كبير. فعندنا بشر طموحاتهم كبيرة وكثيرة، فهم يطمحون للمال والجاه والشهادات والمنصب والجمال، ولأنه طموح مستحيل فذلك يبدأون باللهث والعمل من أجل تحقيقه بالطرق العادية والقانونية وغيرها، وعندما يفشلون وهذا مؤكد نجدهم يلجأون لوسائل غير مشروعة ويرتكبون جرائم من كل الأنواع مثل النصب والتزوير ويزيحون كل ما يجدونه في طريقهم خاصة الأكثر كفاءة والأحق بالمنصب والصفقة أو الجائزة. وعندما يكون الطموح غير عادي يصبح أحيانا مجرد طمع ولا شيء آخر، فهو مثلا يريد أشياء ليست من حقه وأموالا لا يحتاج إليها، وسيارة فارهة للتفاخر بها، وقصرا للمباهاة على غيره من الناس، وشهادات للتعليق على جدران المنزل. والطموح أحيانا يحتاج إلى تواضع ومعرفة النفس وتقدير الإمكانيات والقدرات. فليس عيبا أن يتخلى الإنسان عن طموح يجده مستحيلا لكن العيب أن يدوس على كل شيء وأن ينافق ويكذب ويزور ويحطم غيره ويرتكب الكثير من الجرائم ليقول بعدها: لقد حققت طموحي! فالطموح الممكن هو الطموح الجميل! [email protected]