دعا أبو حسن جميع زملائه في المكتب لتناول طعام العشاء بمناسبة الانتهاء من بناء مسكنه، وعند وصول صالح الموظف الجديد وجد العديد من زملائه قد سبقوه، سلم وجلس، ثم تقدم من صاحب الدار طالبا أن يعطيه الدلة أو يسمح لولده حسن ليصب القهوة عنه، وما كاد أبو حسن يسمع مقولة صالح حتى أخفى وجهه بكفيه وسمع الجميع نحيبه واستحال الوجه الباسم إلى وجه باك، خرج من الغرفة مسرعا ولحق به أطفاله الثلاثة الصغار، وصار صالح في وضع لا يحسد عليه، وعاتبه الجميع على ما فعل، فقال: يشهد الله أنني لم أقصد إزعاجه ولكن ساءني أن يصب لنا القهوة وجميعنا أصغر منه، فأجابه زميله: ولكن ألا تعلم أن حسن توفي منذ عشر سنوات، يقول صالح: فشعرت بصفعة على وجهي، وأدركت أنني حركت مواجع أبي حسن الذي عاد بعد دقائق وآثار البكاء على وجهه، اعتذرت منه وحاولت أن ألطف الجو ولكنه أسكتني بأدب وعاد المجلس رويدا رويدا إلى طبيعته، وبعد العشاء غادر الضيوف فرادى وجماعات، وبقيت حتى النهاية، واعتذرت له بما حفظته من عبارات الاعتذار وأكدت له جهلي بموت حسن مع يقيني بعدم قدرة أحد على الهروب من الموت لأنه قدر الجميع، رد قائلا: لا تعتذر فكلنا سائرون على هذا الدرب، قلت: ولكن عشر سنوات يا أبا حسن زمن طويل وكاف لطي صفحة الحزن لاسيما أنك رجل مؤمن وأنت من يؤمنا كل ظهر في العمل، فقال: لست والله حزينا على وفاته فقد فقدت معه شقيقه الرضيع في حادث سيارة وقع لنا ونحن عائدون من تبوك، ومع ذلك لم أبك أخاه كما بكيته، لقد مات وهو يبكي غاضبا فقد أوقفت السيارة ونزلت منها لأضربه بالعقال ضربا مبرحا بسبب خلاف بينه وبين إحدى أخواته، لقد قسوت عليه وآلمته، كنت أتمنى أن أضمه إلى صدري وأكفكف دمعه، ولم يكن يومها يزيد عمره عن عشر سنوات، شعرت وقتها أنني آلمته وقررت أن أطيب خاطره حين نصل إلى جدة، ولكن يد المنون كانت أسرع مني، ليته يعود ولو لدقائق فقد تزول الحسرة من نفسي لو ضممته ومسحت دمعه، ثم بكى أبو حسن بكاء مرا، وعاود كلامه قائلا: ليت الليالي تعود فنحن نقسو على من نحب ونردد: الأيام كفيلة بإرضائهم ولا نعلم أن الموت ربما كان أسرع من الاعتذار، فابن عم لي أغضب والدته وكان يقول: غدا أراضيها، إلا أنها ماتت قبل أن يأتي الغد الذي كان ينتظره وبقي متحسرا وأنا على يقين بأن حسرته ستلازمه ولن ترحل إلا إذا رحل عن هذه الدنيا، وأتساءل بدوري كم من زوجة مات عنها زوجها وهي تسوف في إرضائه مع أن قبلة حانية منها أو ضمة رقيقة كانت كفيلة بإذابة جليد الخلاف بينهما، إلا أن كبرياءها كان أقوى ودفعها لتأجيل إرضائه لحين عودته المنتظرة من عمله، ولكنه لم يعد إطلاقا، والزوج الذي ترك زوجته حزينة بسبب خلاف بينهما كان هو الآخر يسوف إرضاءها بسبب عناده وعلى أمل أن يعود من عمله ومعه باقة ورد ليصالحها، ولكنه تركها لتموت كمدا وظلما، وذاك ابن خرج يصفع الباب وراءه عله لا يضيع أي دقيقة مع أصحابه على أمل أن يعود فيبكي عند قدمي والده معتذرا ولكن عبارة ابن عمه في الهاتف كانت أسرع: «عظم الله أجرك فوالدك توفي قبل أن يصل المستشفى»، ويبدو أننا جميعا بحاجة لتذكر أن لا نغضب عزيزا ونؤجل إرضاءه للغد. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]