صحيح أن الميزانية الجديدة للعام المالي الجديد 1431/1432ه قد قدرت وجود عجز بسبب تجاوز النفقات العامة (540 مليار ريال سعودي) الايرادات العامة (470 مليار ريال سعودي) بمبلغ 70 مليار ريال سعودي، إلا أن هذا في الوقت نفسه يعكس استمرار الحكومة في تعزيز الانفاق الحكومي ودعم برامج التنمية الاقتصادية، خاصة إن العام المالي الجديد 1431/1432ه سيشهد بداية خطة التنمية التاسعة، والتي ستتضمن برامج ومشاريع تنموية جديدة. وعطفاً على ما تحقق فعلا من إيرادات عامة خلال العام المالي الحالي 1430/1431ه، والتي زادت بنسبة 23% عن المقدر في الميزانية، فإن تقدير وزارة المالية لوجود عجز في الميزانية الجديدة للعام المالي الجديد 1431/1432ه هو نوع من التحوط أو التحفظ الذي تنتهجه وزارة المالية، وذلك وفق السعر الذي تقدره الوزارة لبرميل البترول في المتوسط خلال العام المالي. والوزارة تتحفظ في تقديرها في الغالب، على الرغم من أن المؤشرات تميل إلى توقع أن يكون سعر برميل البترول خلال العام 2010م المقبل يتراوح بين 70-80 دولار أمريكي، وهو ما يعتبر سعراً عادلا، وفق تصريحات مسؤولين في منظمة الأوبك، وهي الحريصة على خلق التوازن في السوق العالمية والوصول إلى سعر عادل. والميل الواضح في الميزانية الجديدة إلى زيادة الإنفاق الحكومي ينعكس ينعكس في تعزيز الإنفاق على قطاع التعليم الذي استحوذ على 25% من النفقات العامة، في إشارة واضحة إلى الاهتمام بالعنصر البشري كأساس للتنمية الاقتصادية، وهو ما دعمه الإنفاق الكبير على قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية الذي خصص له 61.2 مليار ريال سعودي. ومما يعزز بناء الإنسان السعودي هو دعم البنية التحتية الأساسية التي سيتعامل معها هذا الإنسان، وهذا واضح في زيادة الإنفاق على قطاعات الخدمات البلدية والمياه والزراعة والتجهيزات الأساسية الأخرى وقطاع النقل والاتصالات. والذي أراه أن من الضروري أن يواكب صدور هذه الميزانية الجديدة توجيه ملكي للجهات التنفيذية في الدولة بأهمية الحرص على تنفيذ المشروعات التنموية المدرجة في الميزانية على درجة عالية من الإتقان والمهنية، مع تعزيز الشفافية في الإنفاق والمراقبة على الأداء، إذ أن من المؤمل أن تبدأ خطة التنمية التاسعة خلال هذا العام المالي الجديد، ويجب أن يكون هذا العام وبداية هذه الخطة، نقلة نوعية للاقتصاد السعودي، بحيث تستفيد البلاد من استحقاقات الأمر الملكي الأخير حول التحقيق في أسباب كارثة سيول جدة، وهو الأمر الذي اعتبر نقلة نوعية في الفكر الإداري المحلي، والذي يتوقع أن ينعكس إيجابا على أداء بعض المؤسسات والأجهزة الحكومية، والتصدي لملفات الفسادالإداري والمالي والتي انعكست على أداء وفاعلية بعض تلك المؤسسات والأجهزة، ولا شك أن كثيرا من تلك المؤسسات والأجهزة تحتاج ليس فقط إلى تغيير في القيادات، بل ربما إلى إعادة هيكلة وتطوير، وهو ما يتطلب مساندة مالية، يفترض أن يتم استيعابها في الميزانية الجديدة، إذا كان لهذه النقلة النوعية في الفكر الإداري المحلي أن تتجسد على أر ض الواقع، وتبدأ خطوات التطوير والإصلاح بوتيرة متسارعة يلمسها المواطن، الذي هو هدف التنمية وغايتها. ولعل ما يعزز هذا الجانب هو أهمية استثمار الحالة الراهنة للاقتصاد السعودي والبناء عليها، خاصة مع ما تعرضت له بعض دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أزمات مالية أخيرا، وهو ما يعزز بالضرورة وضع الاقتصاد السعودي، وهو الاقتصاد الأكبر في المنطقة. * رئيس دار الدراسات الاقتصادية-الرياض