جاء الارتفاع في بندي الإيرادات والإنفاق ليعكس حال التفاؤل باستمرار التحسن في أسعار النفط، والتي درت على السعودية دخلا إضافيا. وتبعا لحال التفاؤل هذه، خصوصا مع استمرار نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع الطلب على النفط. ويقدم تقرير وزارة المال السعودية للعام 2009م الذي رافق تقديم ميزانية الدولة أمس، صورة شفافة عن احتمالات تحسن أداء الاقتصاد المحلي، خصوصا القطاع الخاص. وثمة اتفاق بأن العوائد النفطية ساهمت إلى حد كبير في النتائج التي سجلها الاقتصاد السعودي، كما أن الاستمرار في تحسن الأسعار سيضيف أبعادا جديدة لميزانية الدولة في العام 2010م، خصوصا مع زيادة وتيرة الصادرات النفطية ونمو القطاع النفطي بنسبة في المائة بالأسعار الجارية، وبما كان له أكبر الأثر في انخفاض العجز بين الحساب الجاري وحساب الخدمات والتحويلات. وفي شكل عام، فإن معدلات الأداء الجيدة للاقتصاد المحلي تنسجم مع الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق أهداف استراتيجيتها الشاملة للتنمية التي تتضمن تغييرات هيكلية لمختلف النواحي الاقتصادية والتنظيمية والإدارية، إذ أنشئت أجهزة اختصاصية، وأقرت العديد من الأنظمة بهدف تهيئة المناخ الملائم لتنويع قاعدة الاقتصاد الوطني وتفعيل دور القطاع الخاص في التنمية، وإيجاد الفرص الوظيفية والاستخدام الأمثل للموارد، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية. ففي مجال تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للتنمية تحققت إنجازات ملحوظة في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات المالية وغيرها، أما فيما يتعلق بتفعيل دور القطاع الخاص، استمرت الحكومة السعودية بإشراك القطاع الخاص في العديد من أعمال الإنشاء والتشغيل والصيانة التي يقوم بها القطاع الحكومي. كما قدمت الحكومة قروضا ميسرة للقطاع الخاص في مجالات الزراعة والصناعة والعقار وغيرها من خلال صناديق التنمية المختلفة، إضافة إلى تسهيل الإجراءات المالية والإدارية والتنظيمية لتشجيعه على إنشاء مشاريع مشتركة مع الشركات الأجنبية، هذا بالإضافة لنظام الاستثمار الأجنبي الذي أوجد حوافز متعددة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مختلف القطاعات. بيد أنه لا جدال على أن المستقبل سيحفل بالفرص والتحديات التي سترسم طبيعة الاقتصاد السعودي ومدى قدرته على تحقيق الأهداف والتطلعات الوطنية التي رسمتها لها قيادته، ونحن على أبواب خطة التنمية التاسعة. وتتلخص هذه التحديات في عدد من المحاور الرئيسة: أولا: استمرار سياسة التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد على النفط مصدرا أساسيا للدخل، ثانيا: تطوير الموارد البشرية وتوفير فرص عمل كافية للسعوديين الذين سينزلون إلى سوق العمل بأعداد متزايدة خلال الأعوام المقبلة، ثالثا: زيادة إسهام القطاع الخاص في التنمية باعتباره (حجر الزاوية) في جهود التنويع. هذه القضايا والمحاور تنطوي على هدف أساسي واحد، وهو الانتقال من التنمية الكمية إلى التنمية النوعية التي تعطي للاقتصاد مكامن قوة جديدة وركائز أكثر استقرارا في المستقبل. وقد كان للإجراءات والقرارات التي استمرت المملكة في تبنيها في مجال الإصلاحات الاقتصادية أثر فعال في تحقيق معدلات النمو الإيجابية التي يشهدها القطاع الخاص والتي أدت إلى توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويعها، حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي هذا العام حوالي 46 في المائة كنسبة من الناتج المحلي عدا رسوم الاستيراد بالأسعار الثابتة، وهذه المؤشرات تدل على زيادة فعالية هذا القطاع، خصوصا نشاطي الصناعات التحويلية والخدمات اللذين يشهدان نموا مستمرا وجيدا منذ عدة سنوات. الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 1430 1431 2009م وفقا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات 1.384.400 ألفا وثلاث مئة وأربعة وثمانين مليارا وأربع مئة مليون ريال بالأسعار الجارية بانخفاض نسبته 22.3 في المائة نتيجة الانخفاض في القطاع البترولي بتأثير أسعار البترول والكميات المصدرة. أما الناتج المحلي للقطاع غير البترولي بشقيه الحكومي والخاص فيتوقع أن يحقق نموا نسبته 5.5 في المائة، حيث يتوقع أن ينمو القطاع الحكومي بنسبة 10.2 في المائة والقطاع الخاص بنسبة 2.85 في المائة بالأسعار الجارية. أما بالأسعار الثابتة فيتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي نموا تبلغ نسبته 0.15 في المائة، إذ يتوقع أن يشهد القطاع البترولي انخفاضا نسبته 6.4 في المائة، وأن يبلغ نمو الناتج المحلي للقطاع غير البترولي بنسبة ثلاثة في المائة، حيث يتوقع أن ينمو القطاع الحكومي بنسبة أربعة في المائة والقطاع الخاص بنسبة 2.54 في المائة. ويلاحظ أن نسبة كبيرة من هذا النمو في الناتج المحلي تعزى للإنفاق الاستثماري الحكومي. وقد حققت جميع الأنشطة الاقتصادية المكونة للناتج المحلي للقطاع غير البترولي نموا إيجابيا، إذ يقدر أن يصل النمو الحقيقي في الصناعات التحويلية غير البترولية إلى 2.2 في المائة، وفي نشاط الاتصالات والنقل والتخزين ستة في المائة، وفي نشاط الكهرباء والغاز والماء 3.35 في المائة، وفي نشاط التشييد والبناء 3.9 في المائة، وفي نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق اثنين في المائة، وفي نشاط خدمات المال والتأمين والعقارات 1.8 في المائة. وقد كان للإجراءات والقرارات التي استمرت المملكة في تبنيها في مجال الإصلاحات الاقتصادية أثر فعال في تحقيق معدلات النمو الإيجابية التي يشهدها القطاع الخاص والتي أدت إلى توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وتنويعها، حيث بلغت مساهمته في الناتج المحلي هذا العام حوالي 47.8 في المائة بالأسعار الثابتة، وهذه المؤشرات تدل على زيادة فعالية هذا القطاع خصوصا نشاطي الصناعات التحويلية والخدمات اللذين يشهدان نموا مستمرا وجيدا منذ عدة سنوات. المستوى العام للأسعار أظهر الرقم القياسي لتكاليف المعيشة وهو أهم مؤشرات المستوى العام للأسعار ارتفاعا خلال عام 1430/1431 (2009م) نسبته (4.4) في المائة عما كان عليه في عام 1428/1429 (2008م)، وذلك وفقا لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. أما معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير البترولي الذي يعد من أهم المؤشرات الاقتصادية لقياس التضخم على مستوى الاقتصاد ككل فمن المتوقع أن يشهد ارتفاعا نسبته (2.4) في المائة في عام 1430/1431ه (2009م) مقارنة بما كان عليه في العام السابق. التجارة الخارجية وميزان المدفوعات وفقا لتقديرات مؤسسة النقد العربي السعودي من المتوقع أن تبلغ القيمة الإجمالية للصادرات السلعية خلال عام 1430/1431 الموافق2009م 691.600 ست مئة وواحد وتسعين مليارا وست مئة مليون ريال بانخفاض نسبته 41 في المائة عن العام المالي السابق. كما يتوقع أن تبلغ قيمة الصادرات السلعية غير البترولية حوالي 101.750 مئة وواحد مليار وسبع مئة وخمسين مليون ريال بانخفاض نسبته 16.4 في المائة عن العام المالي السابق، وتمثل الصادرات السلعية غير البترولية ما نسبته 15 في المائة من إجمالي الصادرات السلعية. أما الواردات السلعية فيتوقع أن تبلغ في العام نفسه (301.300.000.000) ثلاث مئة وواحد مليار وثلاث مئة مليون ريال بانخفاض نسبته (21) في المائة عن العام المالي السابق. كما تشير التقديرات الأولية لمؤسسة النقد العربي السعودي إلى أن الميزان التجاري سيحقق هذا العام فائضا مقداره (390.300.000.000) ثلاث مئة وتسعين مليارا وثلاث مئة مليون ريال بانخفاض نسبته (50.9) في المائة عن العام السابق، وذلك نتيجة انخفاض أسعار وكميات الصادرات البترولية، إضافة إلى انخفاض الصادرات غير البترولية. أما الحساب الجاري لميزان المدفوعات فيتوقع أن يحقق فائضا مقداره 76.700 ستة وسبعين مليارا وسبع مئة مليون ريال في العام المالي 1430/1431ه (2009م) مقارنة بفائض مقداره 496.200 أربع مئة وستة وتسعين مليارا ومئتي مليون ريال للعام 1428/1429 (2008م) بانخفاض نسبته (84.5) في المائة. النقد والمصارف سجل عرض النقود بتعريفه الشامل خلال الأشهر العشرة الأولى من العام المالي 1430/1431 (2009م) نموا نسبته ثمانية في المائة. وفي ضوء تطورات الاقتصاد المحلي والعالمي تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان توفر السيولة الكافية في النظام المصرفي لتلبية احتياجات الاقتصاد الوطني، حيث ارتفعت الودائع المصرفية خلال الفترة نفسها بنسبة 8.2 في المائة، كما انخفض إجمالي مطلوبات البنوك من القطاعين العام والخاص خلال الفترة نفسها بنسبة 5.7 في المائة، وواصلت البنوك تدعيم قدراتها المالية، إذ ارتفعت رؤوس أموالها واحتياطياتها خلال الفترة نفسها بنسبة 24.1 في المائة لتصل إلى (163.600.000.000) مئة وثلاثة وستين مليارا وست مئة مليون ريال. سوق المال واصلت هيئة السوق المالية خلال العام 1430/1431ه (2009م) جهودها الرامية إلى تنظيم طرح وتداول الأوراق المالية في السوق الماليه وتطويرها وتعزيز العدالة والشفافية والإفصاح وحماية المستثمرين. ففي مجال زيادة عمق السوق المالية وتوفير المزيد من الفرص الاستثمارية وافقت الهيئة على طرح عشر شركات للاكتتاب العام بمبلغ يقارب (26.600.000.000) ستة وعشرين مليارا وست مئة مليون ريال، ورخصت ل (24) صندوقا استثماريا. ولحماية المستثمرين من الممارسات غير العادلة، تم التحقيق في 129 حالة من حالات يشتبه في مخالفتها لنظام السوق المالية. كما أصدرت الهيئة تراخيص ل 14 شركة جديدة لمزاولة أعمال الأوراق المالية المختلفة ليرتفع بذلك العدد الإجمالي المرخص له إلى 124 شركة. ولتعزيز الشفافية والإفصاح أصدر مجلس الهيئة تعديلا للائحة حوكمة الشركات، وأنشئت إدارة حوكمة الشركات، ووضعت الاستراتيجية اللازمة لرفع مستوى الوعي بالحوكمة. وفي إطار دور الهيئة في تنمية الوعي الاستثماري لدى المتعاملين في الأوراق المالية أقيمت حملة معارض توعوية متنقلة في 19 مدينة ومحافظة وطبع أكثر من مليون كتيب من كتيبات توعية المستثمر الإثني عشر، ووزعت على المستثمرين في صالات التداول والمؤتمرات والجامعات وغيرها، كما وزعت مطويات تحذر مما يعد من أنواع التلاعب والتضليل. تطورات أخرى أ- أوضح تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2009م أن المملكة واجهت الأزمة المالية العالمية الحالية بأساسيات اقتصادية قوية وعملت على تعزيز مركزها الاقتصادي الكلي وتقوية القطاع المالي وتنفيذ إصلاحات هيكلية لدفع عجلة النمو بقيادة القطاع الخاص. كما أثنى أعضاء مجلس الصندوق على الإجراءات التي اتخذتها المملكة لتعزيز السيولة المصرفية وتحقيق الاستقرار في سوق المعاملات بين البنوك والتحرك الذي قامت به الحكومة على مستوى المالية العامة لتخفيف أثر الركود الاقتصادي العالمي. ب- رغم ما يمر به الاقتصاد العالمي من ظروف صعبة، فقد أبقت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني للمملكة عند مستوى (AA-)، وأكد التقرير على متانة الوضع المالي للحكومة بفضل ميزان المدفوعات القوي ونجاح الخطط الإصلاحية والإنفاقية للحكومة. وستعزز هذه النتائج بإذن الله المكانة الاقتصادية للمملكة كبيئة جاذبة للاستثمارات وسيسهل على الشركات السعودية الحصول على التمويل بتكلفة أقل. ج- تضمن تقرير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار لعام (2010م) تصنيف المملكة في المرتبة (13) الثالثة عشرة من بين (183) مئة وثلاثة وثمانين دولة تم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار بها متقدمة من المركز (16) السادس عشر الذي حققته في عام (2009م). د- تمت الموافقة على بعض الأنظمة والتنظيمات الجديدة والقواعد والإجراءات وتشمل نظام صندوق التنمية الزراعية، ونظام مكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص، ونظام أندية السيارات والدراجات، وتنظيم المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، وتنظيم اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، وتشكيل اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة، واللجنة الوطنية لرعاية المرضى النفسيين وأسرهم، والخطة الوطنية للاستجابة للطوارئ الإشعاعية والنووية، ومنح المستثمر في بعض مناطق المملكة حوافز ضريبية، والقواعد التنظيمية الخاصة بإنشاء وحدات التدريب غير الربحية في مجال التدريب التقني والمهني، والقواعد والترتيبات الخاصة بكيفية معاملة الموظفين والعمال من العاملين السعوديين في القطاعات المستهدفة بالتخصيص، وآلية عمل لجنة المساهمات العقارية.