إن العمر يمضي والحظ يتفلت من بين يديها في منصب مرموق أو مركز معروف. والكرسي الذي تشرئب إليه روحها مشغول بأخرى.. والنون بين شهقات الرغبة في الكرسي وزفرات الخوف من أن يفوتها هذا الحظ؛ ليناله غيرها، تداهن وتتلون، تتملق وتترقق. فهي حريصة عليه كحرصها على الهواء والماء، ومهما كلفها ذلك من سفك القيم وقصل المشاعر. إن الأمر جد خطير، فالكرسي كرة من كريات دم النون، وغيابه يعني تكسرا في دمها، ونزفا في كيانها، وثقبا في جنانها.. ولن تسمح بذلك أبدا فهي (النون). إذن لابد من صعود أعلى درجات سلم التفكير، وإن تمرغ على يديها بالوحل والطين، وإن تقهقر في دركات الحقد الدفين، فلا مشكلة مادامت الغاية تسوغ الوسيلة، ومادام أن عشق الكرسي الموشح ببريق الوهم وتقليد الجوهر، قد أوحى للنون بقدرة على أن تبز أستاذتها، وتسلبها فرس القيادة في الميدان، لتأمر وتنهى هي، وتفتش وتفرش هي، وتطيعها بناتها ويكن طوع بنانها. نعم إنهن البنات وهو لفظ شاع استخدامه في محيط التربية والتعليم منذ أن كانت الجهة المعنية بتعليمهن هي رئاسة تعليم البنات، ليتوسع اللفظ فيشمل كل منسوبة من منسوبات المحيط، فبنات مديرة المدرسة (المعلمات والإداريات إلى جانب الطالبات طبعا) وبنات المشرفة (المديرات والمعلمات) ورئيسة القسم أو مديرة الإدارة بناتها باقي المشرفات وهكذا في سلسلة لا تنتهي من التبني.. وهو تعبير جيد إن طابق لفظه معناه، لكن إن خالطه شيء من تورية فإن المعنى سينفتح على مصراعيه؛ ليدخل فيه من يدخل، وتمارس عليه كل أنواع الضغوط والمطالب تلبية لحقوق البنوة.. أو ليشابه ما لدى ثقافات الجوار العربي من المعلم حاذق المهنة وابنه (الصبي بلية) والمعلمة ليس من العلم بل من عولمة الجسد أي هزه في باتجاه الجهات الأربع. الفكرة في مخيلة النون ليبدأ مشهد آخر.. فإلى لقاء. وهج الهدى محمد العربي