على الرغم من انتشار موضة البيانات في مجتمعنا المطالبة والمنددة والمناصحة، وتذيل سطورها مجموعة من الموقعين اجتمعوا على لغة واحدة تتكرر من بيان إلى آخر، ولا يتغير فيها سوى العنوان، ثم يتناقل المريدون والأتباع تلك البيانات في مواقعهم وتجمعاتهم بمزايدات «بيان للأمة» و «إبراء الذمة»، وكل على ليلاه يطرب في صياغة بياناته التي تلخص ردة الفعل... على الرغم من هذا كله توقف المشهد الثقافي حائرا أمام العريضة الأخيرة التي رفعها ثلاثون أديبا إلى وزير الثقافة والإعلام، كانوا ضمن المشاركين في مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث، يطالبون فيها بما يمكن وصفه «أقل مقومات التمكين» ويدندنون على وتر المعاش اليومي الذي يضمن لهم حدا أدنى من تلك المقومات لأجل التفرغ والإنتاج بدلا من الانشغال بالبحث عن لقمة العيش. السؤال المقلق فعليا: ما الذي يدفع الأديب والمثقف إلى تلك اللغة الاستجدائية، وهو أي الأديب يمثل في أصله واجهة حضارية تعمق الصلة بين أرضه والآخرين من خلال السبك والنثر... أيعقل أن نصل إلى تلك الحالة بأن تطالب مجموعة من الأسماء البارزة بضمان مصادر عيشهم، وأن يحقق «حلمهم» في إنشاء صندوق وطني يدعمهم عند مرضهم ويوفر لهم العيش الكريم؟، وكأن لسان حالهم: هذا قدر الإبداع هنا، ومن أنكر فليتذكر أديبنا الراحل عبد العزيز مشري أو الرسام محمد السليم، ولا تذهبوا بعيدا فدونكم حال رفيق القلم محمد الثبيتي وجار الله الحميد. قبل أن نشخص حالة الإبداع في قطرنا، دعونا نتأمل في محفزاته ومدخلاته لنكتشف آنذاك حجم المفارقة بين كيان من يهز الوسط وكيان من يهز العقل، بين من يهز المدائح هزا فينال الشرف وبين من يعمل الفكر للسمو والرقي فينال الفقر والمرض بعد غياب السائلين، بين شعراء المليون وبين أدباء «متى ينزل الراتب»... حينها سيتجلى لنا بوضوح مناخ الإبداع في مشهدنا. فعلا.. مشكلة أن يصل حالنا الثقافي إلى تلك المرحلة التي لاتنفع معها إلا معاريض الاستجداء وحب الخشوم، عسى أن يأتي من بعدها بصيص الأمل، وأي أمل في أن يكسر المثقف استقلاليته من أجل لقمة عيشه؟، ويطالب بعد أن أكل الدهر وشرب عليه وعلى قلمه وحروفه باتحاد يجمع أطياف الكتاب والأدباء وهو الحق المشاع الذي يردد «وينكم من زمان»؟. لعل الحسيكة التي شرق بها كل مطلع على الخطاب تبين اتجاهات بوصلة الإبداع، فإن كان قدرنا «معاريض» ثقافية؛ فلا تسألوا بعدها عن انحطاط ذائقتنا. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة