اعتاد السكان على مشاهدة شباب ذوي بشرة سمراء يشمرون عن سواعدهم يمسكون بأوعية المياه وقطعا من القماش الملون (فوطة) يجوبون أماكن تجمع السيارات في المواقف العامة، أمام المراكز التجارية، المستشفيات، وفي ساحات الدوائر الحكومية والقطاع الخاص، إنهم مغسلو السيارات، يؤدون خدمة يحتاجها المجتمع، لكن أكثرهم مخالفون لأنظمة الإقامة والعمل، جميعهم تقريبا من جنسيات أفريقية. الأجهزة المعنية تعترف أنهم غير نظاميين لذلك تلاحقهم وتطاردهم، وتعتبرهم مصدرا من مصادر التلوث حيث تتراكم مياه غسل السيارات في الشوارع وتحولها إلى برك ومستنقعات وأماكن لتجمع البعوض، بينما هم يعتقدون أنهم يؤدون خدمة مطلوبة للمجتمع، والطرف الثالث وهم أصحاب السيارات يقفون في منتصف الطريق، بعضهم يعتبر مغسلي السيارات يقدمون خدمات بأرخص الأسعار، والآخر يعتبرهم أصحاب سطوة أو متسولين. بحيرات وبعوض يشكو وليد العمودي من كثرة العمالة غير النظامية التي تعمل في مهنة غسل السيارات بشكل دائم وتنتشر في المواقف وبجوار المراكز التجارية، مطالبا بضرورة التصدي للظاهرة؛ لأنها تتسبب في انتشار ما يشبه البحيرات التي تؤدي إلى تكاثر البعوض الناقل للأمراض، إضافة إلى حفر الإسفلت وتشويه للمنظر العام. ويشير حسين العمري إلى أن العديد من مغسلي السيارات يمارسون عملهم في الشوارع الرئيسية، وأمام المراكز دون ملاحقة من البلدية أو أية جهة أخرى، ما يهدر المياه ويتلف الطرقات ويؤدي إلى انتشار الحشرات، وطالب أمانة جدة بسرعة التحرك لمنع الظاهرة والعمل على تنظيف المواقع بعد إخلائها منهم. ويقول بندر الحارثي إن مغسلي السيارات يتمركزون في أحياء معينة في المدن، وفي جدة على سبيل المثال يتمركزون في حي المصفاة «الكرنتينة» جنوبي جدة، وهم من الأفارقة الذين يستغلون المكان وحولوه إلى بحيرة لغسل السيارات. ويستطرد الحارثي: أتوجه إلى هذا الموقع لغسل سيارتي مرتين في الأسبوع لأن السعر رخيص والتنظيف ممتاز والتعامل جيد. السعر والانتظار أحمد المولد يقول: لا نريد أن نشجع هؤلاء على غسل السيارات في مثل هذه الأماكن، ولكن صاحب السيارة يجد نفسه مجبرا إلى القبول بغسل سيارته على يد هؤلاء لأسباب كثيرة، ومنها: السعر المناسب وكسب الوقت، فبينما يذهب المرء للتسوق ينجزون هم غسل السيارة، وهذا أراه أفضل لي من الذهاب إلى مغاسل السيارات المرخصة التي تبالغ في الأسعار، إضافة إلى وقت الانتظار الذي يطول كثيرا. يتدخل محمد أحمد، قائلا: رغم شكي أحيانا في المغسلين إلا أنني أجد نفسي دائما أحضر سيارتي إليهم برغبتي، وتنفيذ ما أطلبه دون اعتراض منهم، ولكن ما يخيفني هو السرقات التي تحدث أحيانا وهذا ما حدث لي عندما اختفى من سيارتي مبلغ من المال، لكن بعد هذه الحادثة حرصت على مراقبتهم جيدا حتى أتجنب تكرار السرقة. ضد الاختراق يقبض هؤلاء الشبان الأفارقة بإحكام على سوق غسل السيارات في الشوارع العامة، ويتوزعون على شكل مجموعات في الساحات وعند مواقف المراكز التجارية، ويطردون أي دخيل عليهم، بل يحاربونه ولا يجد له موطئ قدم بينهم، كما أن المنافسة تشتد بين أفراد المجموعة الواحدة، فتجدهم يهجمون على السيارة بشكل جماعي عارضين على صاحبها خدمة الغسل، ويحدث أن يرمي أحدهم قطعة القماش التي يستخدمها على السيارة المستهدفة لحجزها قبل أن يسبقه إليها غيره. ويقول أحد المغسلين ويدعى آدم (غاني) وهو شاب في مقتبل العمر: أعمل في غسل السيارات منذ قدومي إلى المملكة بتأشيرة عمرة، حيث عملت في المهنة مع أحد أقاربي الذي سبقني إلى هنا، أما بالنسبة للزبائن فأكثرهم من الشباب، ونحن نقدم لهم الابتسامة وحسن التعامل، ونسعى لتكوين علاقة مع صاحب السيارة حتى يعود مرة أخرى، بل نعطي الزبون الاسم ورقم الهاتف حتى يعود مرة أخرى. بتر الفاسد يعترف محمد آدم (صومالي) أن أكثر من يعملون في هذه التجمعات أفارقة وتحديدا من الصومال، غانا، وتشاد ولا يمكن لأية جنسية أخرى أن تخترقهم، فنحن ندافع عن مهنتنا، إضافة إلى حبنا لمثل هذه الأعمال، ونعمل بكل جد وإخلاص. وعن السرقات التي تحدث لبعض الزبائن، يقول سليمان أبكر (22 عاما): نسمع أحيانا عن شجار وقع بين عامل وزبون يتهمه بالسرقة، ولكن نحن نعمل في جماعات قد يصل عدد أفرادها إلى خمسين وفي بعض الأماكن أكثر أو أقل، ويهمنا الاستقرار والأمن ولا نريد أي منغصات، وفي حال علمنا بأية سرقة وتأكدنا من أن ذلك صحيح نطرد العضو الفاسد الذي يجلب المشاكل. مطاردة مستمرة ويقول مدير المركز الإعلامي في أمانة جدة أحمد الغامدي إن هؤلاء المغسلين أصبحوا ظاهرة مزعجة في أنحاء متفرقة من جدة، ويتسببون في تلف طبقة الإسفلت وانتشار الحفر الوعائية من كثرة المياه الراكدة، ومراقبو الأمانة يداهمون مواقعهم بين الحين والآخر ويصادرون أدوات الغسل، بينما هم يلوذون بالفرار. من جانبه، أوضح رئيس بلدية حي الجامعة المهندس صبري قدح أن اللجنة المشكلة من البلدية، المرور شرطة البلدية، والجوازات تعمل ثلاثة أيام أسبوعيا وتتجول على مواقع تجمعات المغسلين بناء على توجيه أمير منطقة مكةالمكرمة المتضمنة تشكيل فرق عمل مختصة في كل محافظة، وتضم مندوبا من المحافظة، البلدية، الشرطة، الجوازات، والمرور يناط بها مهمة التنسيق لمتابعة ضبط المخالفين والمتخلفين وتسليمهم للجوازات، ومن كان يحمل إقامة من بينهم يطبق بحقهم وكفلائهم النظام، والبلدية تصادر المعدات والمواد التي تستخدم في غسل السيارات، مشيرا إلى أنه تم خلال العام الماضى مصادرة 6033 سطلا، و70 دراجة، والقبض على 32 شخصا من المخالفين ومجهولي الهوية من قبل الجهات الأمنية.