وعادت للوطن عافيته وللسماء زرقتها الصافية تعلمنا منهم كيف يصبح حب القائد لشعبه منهجا في التربية الوطنية اغترف قيم العطاء من نبع «المؤسس» حتى ارتوى وفاض عطاء أما وقد عاد «وجه الخير» السمح إلى الوطن، فعادت إلى الوطن عافيته، واستردت السماء زرقتها الصافية، واستعادت البيوت والشوارع ضحكتها التي سافرت مع «سلطان الخير» في رحلته الاستشفائية، والآن وقد عادت معه البلاد معافاة بفضل الله، الذي من على هذه الأمة واستجاب لحار دعائها الصادق، فحق علينا أن نسجد لله، شاكرين فضله ونعمته علينا. إلا هو .. ونحن من يجهل خبايانا نحن السعوديين، ربما يثير دهشته كل هذا التفاعل من المواطنين، وكل هذا القلق، وكل هذا الحب، ثم كل هذه الفرحة بعودة الأمير «الأمير» إلى الوطن، فهو في ثقافات هؤلاء الغير «رجل دولة» ورمز من رموز سيادتها، وهو كذلك. إلا عندنا، حيث هو جزء من كل عائلة، وهو فرد من كل عائلة، وجزء فاعل ونشط هميم فيها، تجده ركنا ركينا، يسندها في ساعة الجد حين تناديه، فتجده أقرب إليها مما كانت تظن، لقد خبرت ذلك بنفسي، ولم أسمعه من أحد، رغم تواتر الحكايات والقصص والأخبار التي لا تحصى عن «قدم الخير» التي يجد الناس آثارها في كل زاوية من مناطق المملكة الشاسعة الواسعة. شهادة من رأى طرفا من ذلك حكيته من قبل عند محنة مرض والدي (أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية)، وكيف أن «تاج رأسي» الأمير سلطان، ومن مكالمة هاتفية واحدة، امتدت يده (أبقاها الله ممدودة لفعل الخيرات) مستجيبة لندائنا الجزِع، بسرعة أربكتنا نحن أصحاب الوجع المقربين، حتى أصبحنا نحن من نركض وراء تعليمات وإجراءات الأمير المتسارعة أمامنا لإنقاذ الوالد، على العكس مما يحدث في الأحوال العادية، حيث عليك أن تلهث لتعثر عليها وتقودها. وفي كل هذا كانت كلمات الأمير تبعث الطمأنينة في نفوسنا وتهدئ من روعنا، بلسما شافيا في قلوبنا الجزِعة، يتصل بنفسه وهو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران، مطمئنا على سير الإجراءات لعلاج الوالد، وداعما لنفوسنا الخائفة، رغم تسليمها بقضاء الله و قدره، ولكنه ضعف البشر، الذي يستعان عليه بالصبر والاحتساب. التربية الوطنية بالحب حين يشعر مواطن عادي مثلي بهذا القدر من تفاعل قيادته وولاة الأمر معه، و يستشعر كل هذه الرعاية، ويشعر بأنه في كنف من يهتمون بتفاصيل حياته وكأنه الابن الوحيد الأثير عندهم ماذا يمكن أن يشعر بغير الحب يملأ قلبه لقيادته، والولاء الصادق المخلص لهم، وليفيض هذا الولاء وهذا الحب ليشمل الدولة كلها، شعبا وأرضا وسماء. الآن هل علمت كيف يمكن أن يكون حب القائد لشعبه منهجا في التربية الوطنية؟. وكيف يعزز هذا الحب من الحس الوطني؟. لقد علمنا حبهم حب الوطن والولاء لهم، وله. وما عرف الناس مثل «سلطان» وجها سمحا باسما بشوشا، وطلة تشيع الطمأنينة في النفوس. حيث لا فواصل يصعب على من يحاول الإحاطة بكل جوانب عبقرية الأمير سلطان أن يفلح في ذلك، لأنك لا تستطيع أن تتبين الحدود الفاصلة بين "رجل الدولة» القوي الأمين، و«الإنسان» الذي تفيض إنسانيته بحرا بغير سواحل وشفافيته وعاطفته التي لا تعرف الفرق بين قريب وبعيد، أو بين قوي وضعيف، أو بين فقير وغني، وإن كانت بالثاني أحفى وأبر. يذهب إلى منطقة عسير التي كانت إمارتها في عهدة الأمير خالد الفيصل يومها، ويتفقد أحوال بعض أهلها فيأمر ببناء مدينة متكاملة الخدمات، فأمثل بين بيديه الكريمتين في حاجة بعض المواطنين أعرض على سموه الكريم حالهم فما أن أفعل حتى يأمر بقضائها. ولولا خشية ألا يرضى سيدي ذكرهم، أو ألا يرضوا هم لذكرهم، ولكني أشهد الله ما قصدته في حاجة الناس وردني، بل كان دأبه دائما أن يشكر لي هذا. فكيف تستطيع أن تقيم فاصلا بين رجل الدولة والإنسان في هذا النسيج المتفرد؟!. منابع العطاء الثرة سحائب يديه تمطر خيرا، لا تعرف لها فصولا، ولا تعرف لها مهابط، فهي تهطل في كل آن، وفي كل مكان، حيثما كانت هنالك نفوس ظمآى، في حاجة للغيث. وتجهد باحثا عن منابع هذا الشغف بالعطاء اللامحدود، ولكن لا يجهدك البحث، إذ تجده قريبا بين يديك حين تقرأ سيرة الوالد الملك المؤسس الاستثنائي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، الذي ولقوة دافع العطاء وتمكنه من نفسه، لم يتردد في تعريض حياته للخطر في سبيل أن يهدي شعبه وطنا كبيرا ومتوحدا. لقد خاض في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم أعظم ملاحم عصرنا الحديث، ولم يكن يملك من عدة المعركة العظيمة سوى إيمانه بالله، وقدرة على الصبر في وجه المكاره، وثلة من الرجال الأوفياء لا تتعدى أصابع اليدين، كان هذا هو زاده وعدته لهدف بحجم توحيد القبائل وتأسيس دولة تتجاوز مساحتها ثلاثة أرباع مساحة جزيرة العرب. حياة تباركت بالعطاء كانت تلك أكبر تجليات قيم العطاء الإنساني. ومن هذا النبع الصافي اغترف «سلطان الخير» حتى ارتوى وفاض ما اغترفه حتى كاد يغرق الخلق حوله، إذ من المعروف أن عطاء يديه الكريمتين لم يقتصر على مواطنيه، وإنما امتد ليشمل صاحب كل حاجة يقصده من هذا العالم الواسع. كان تنوع عطاءه شاملا ومتفرعا، بتنوع واختلاف حاجات الناس، فأنشأ مؤسسة تكون له عينا وأذرعا ترى ما لا يرى وتصل إلى أصحاب الحاجات أينما كانوا. لا أدري لماذا يخالجني خاطر ويلح علي بأنه (أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية) إنما يكرس حياته، المباركة بإذن الله، من أجل أن يكمل ما بدأه الوالد المؤسس (عليه رضوان الله). حتى يخيل إلي انه يسأل نفسه في كل موقف يصادفه: ما الذي كان سيفعله ذاك الرجل العظيم في موقف مثل هذا؟، فيقوم هو، بما كان سيقوم به قدوته، ومربيه على الهدي الإسلامي. وهكذا تمضي أيام عمره المبارك من خير، في خير، وإلى خير. بوركت من حياة، تكللت بالعطاء. وها يلبس الوطن أبهى حلله ليستضيء بوجه الخير الباسم الوضيء. أكاديمي وكاتب سعوديwww.binsabaan.com