بين مئات الخيام المتراصة في مخيم الإيواء في أحد المسارحة تتوه النازحة المسنة «عذابة» كلما خرجت من خيمتها، لتبدأ رحلة «العذاب» الخاصة بها، بحثاً عن خيمتها وأسرتها، فيما يعيش أفراد أسرتها قلقاً كبيراً كلما خرجت وطالت عودتها، في حال تشبه تلك المعاناة التي كتبتها الروائية «مارغريت ميتشل» في روايتها الشهيرة «ذهب مع الريح»، فهم يخافون أن «تخرج... ولا تعود». حال «عذابة» تنطبق على كثير من المسنين النازحين في المخيم الذي يحوي أكثر من 755 خيمة، شكلت مدينة تؤوي 4250 نازحاً. عذابة التي قضت أعوامها السبعين متنقلة بين السهل والجبل بكامل حريتها استيقظت صباح يوم على النداء الإجباري بالنزوح وإخلاء القرى الحدودية، لتجد نفسها مجبرة على الرحيل عن تلك الأراضي التي أصبحت جزءاً منها، إلى مخيم الإيواء، وفي مثل حالها الكثير. تشرح مشكلتها والعجائز النازحات، فتقول: «الخيام كثيرة ومتشابهة، ومعظمنا لا يعرف القراءة والكتابة، والخيام مصنفة بالأرقام والحروف، وهو ما يصعب علينا فهمه، ما يجعلنا نتوه في المخيم بحثاً عن الخيمة المخصصة لإحدانا». وتضيف: «عندما أتوه عن خيمتي، أطلب العون من أحدهم، يسألني عن خيمتي، وعن الرقم والحرف الذي كتب عليها، لكنني لا أعرف، وإن قيلت لي أنساها بسرعة». الأمر بات عذاباً بالنسبة ل «عذابة» بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي تشير إلى انها في احدى المرات ذهبت إلى دورات المياه قبل صلاة الفجر، ولم تعد إلا عند تعامد الشمس وقت الظهيرة. وتمضي المسنة الجازانية في حديثها: «شهدت وأنا شابة حروباً سابقة، فكان نزوحنا ما بين الوادي والجبل فقط، بلا أسلاك ولا حراسة، ونعود إلا بيوتنا في المساء، أما الآن فتبدل الجبل بخيمة، والوادي بأسلاك تحيط بالمخيم من كل جانب». كذلك الأمر بالنسبة للشيخ أبوعلي الذي يخشى الابتعاد عن المخيم، حتى لا يضيع، ويتنهد ثم يبدأ حديثه: «أرغب بالجلوس مع كبار السن مثلي ممن في المخيم، لكنني أخاف أن أفقد الخيمة». ويضيف: «اكتفي بوضع وسادة أمام الخيمة والجلوس لمراقبة المارة، «فربما مر أحد أعرفه من هنا، وأحياناً استدل بالصغار في الذهاب والعودة». ويتابع: «معظم النازحين يعرفون مشكلة الكبار ويراعون ظروفهم، ولا يتضايقون إذا دخل عليهم أحد كبار السن يسأل عن خيمته التي أضاعها». وتشير النازحة أم تركي إلى أنها وجدت -أكثر من مرة - أحد كبار السن في وسط خيمتها وقد جلس على فراشها مدعياً أنها خيمته او تشبهها، ويطلب منها أن توصله لخيمته أو تبحث له عن خيمته. وتقول: «يتطوع أولادي لتوصيل كبار السن لخيامهم، وتتكرر الحكاية».